للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودال مهملات أي إذا أرعد أمطر فكأنه وعد برعده وهو استعارة حسنة ولذا جعله بعض الشعراء تحية كما قال:

حياك يا ترب الهادي الرسول حيا بمنطق الرعد باد من فم السحب

ووقع في بعض الحواشي الوعد بالواو بدل الراء، وفسره بأنه يفي بوعده للديار، وهو حسن أيضاً الا أني أظن الرواية خلافه، والاستشهاد بالبيت للثاني وإنما استشهد له لأنّ المعروف أنه بمعنى المطر ولذا لم يثبته لشهرته والآية تحتملهما كما سيأتي والاحتمال لا ينافي كون أحدهما أشهر وأظهر، وما قيل من أنّ الأسحم عبارة عن المطر النازل خطوطا مستقيمة كالسدي) والريحان بمنزلة اللحمة، ولذا قيل إنّ الصيب في البيت يحتمل المطر فليس بنص في إرادة السحاب كلام من لم يدر مقاصد العرب في أشعارها، ومن أحال على الذوق فقد أحال على مليء، وقيل ظاهر عبارة المصنف إنه في البيت محتمل لكل من المطر والسحاب، ويحتمل أن يكون ناظرا للسحاب لقربه، ولتبادره من الصفات المذكورة. قوله: (وفي الآية يحتملهما) أي المطر والسحاب والاحتمال لا ينافي الترجيح لأحدهما، وفي قوله وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر شديد إشارة مّا إلى ترجيح كونه بمعنى المطر كما لا يخفى، والتنكير فيه للتنويع والتعظيم ولا مانع من الجمع بين معنييه، ويحتمل أنّ التنويع من التنوين والشدة من صيغة الصفة المشبهة وإن كان المشهور فيها الدلالة على الثبوت لا على التهويل والتعظيم، وأن كان لا مانع منه، وما قيل إنّ المصنف رحمه الله حمل التنكير على النوعية لأنّ الصيب نوعان شديد وضعيف والأولى جعل تنكيره للتعظيم، وإنما اختار النوعية لإشتمالها على معنى

العظمة، ولذا وصف النوع بالشدة إلاً أنّ هذا مناف لقوله والآية تحتملهما كلام ناشىء من قلة التدبر وفيما قدّمناه لك كفاية، وإنما رجح المصنف تفسيره بالمطر على عادة السلف في ترجيح التفسير المأثور، وهذا كما قال السيوطي أخرجه ابن جرير من عدّة طرق عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعطاء وقتادة وغيرهم من غير اختلاف فيه. قوله: (وتعريف السماء إلخ) يعني أنّ السماء تطلق على السماء الدنيا، وعلى الغمام كما تطلق على جميع طبقاتها وعلى كل ما علا من سقف، وغره وتطلق على المطر أيضاً كما في قوله إذا نزل السماء بأرض قوم.

وتطلق على كل جانب من سماء الدنيا مسامت لقطر من أقطارها، وهو المراد هنا، والآفاق بالمدّ جمع أفق بضمتين يطلق على كل ناحية من نواحي الأرض، ومنه آفاقي وأفقي للمسافر وعلى كل ناحية، وجانب من السماء ومطبق بضم الميم وكسر الباء مشددة ومخففة بمعنى محيط وشامل، وآخذ بالمدّ اسم فاعل بدل أو عطف بيان لمطبق من الأخذ وأصل معناه التناول، ويكون بمعنى الإمساك كالأخذ بالخطام واللجام، وبمعنى الحوز والتحصيل هذا هو المعنى الحقيقي، وما يقرب منه، ثم إنه تجوّز به عن معان أخر كالإحاطة والستر لأنه من شأن المحوز المأخوذ، وهو المراد هنا كما في قول الفرزدق:

أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا جبلاها والنجوم الطوالع

فهو تعبير جيد هنا، ثم بئن المصنف رحمه الله تعريف السماء على وجه يتضمن بيان فائدتها، ودفع السؤال، وهو أنّ كل صيب مطرا كان أو سحاباً من السماء فلا حاجة لذكره، وإذا كان السماء بمنى الأفق وتعريفه للاستغراق أفاد فاثدة سنية، وهي أنّ السحاب محيط بجميع حواسهم وكذا المطر النازل عليهم منصت من كل أطرافهم ففيه مع الدلالة على قوّته تمهيد لظلمته، وأجاد المصنف رحمه الله إذ عقب التنكير بالتعريف على نهج أدمج فيه ما ذكر. قوله: (ومن بعد أرض إلخ) هو بيت هكذا:

فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها ومن بعد أرض بنينا وسماء

وهو كما في الكشاف دليل على إطلاق السماء على كل أفق من آفاقها، وأوه وروي آه وكلاهما اسم فعل مبنيّ على الكسر بمعنى أتوجع ويوصل بمن واللام، وقال قدس سرّه: أي توجعت لذكر الحبيبة ومن بعد ما بيني وبينها من قطعة أرض، وقطعة سماء تقابل تلك القطعة الأرضية فنكرهما إذ لا يتصوّر بينهما بعد جميع الأرض والسماء، ولما صح إطلاقها على كل ناحية وأفق منها جيء بها معرّفة باللام لتفيد العموم، وتدل على أنه غمام مطبق، ولو نكرت لجاز أن يكون الصيب من بعض الآفاق.

قلت: هكذا فسروه، ولا يخفى

<<  <  ج: ص:  >  >>