للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن تباعد مسافة الأرض والتفجع لها في غاية الظهور،

وأمّا تباعد ما يقابلها من السماء ففي غاية البعد عن مواطن الاستعمال، وما ذكروه معنى لا حاصل له، فالظاهر أنّ هذا جار على ما عرف في التخاطب إذا وصفوا الشيء بغاية التباعد يقولون بي! نهما ما بين السماء والأرض فأصله ومن بعد كبعد أرض وسماء فاقام المشبه به مقام المشبه مبالغة، وأمّا ما قيل من أنه إنما ذكر سماء مع أنه لا يزيد على ما أفاده بعد الأرض لأنه كما تكون موانع الوصول من الأرض تكون من السماء كشدة البرد، والحرّ والأمطار فبعده عن السياق بعد ما بين السماء والأرض. قوله: (أمذ به ما في صيب إلخ) خبر آخر لقوله تعريف السماء، وأمد بمعنى قوّى وأكد كما مرّ في قوله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} وقوله (من المبالنة إلخ) بيان لما في صيب لأنّ تعريفه يفيد المبالغة بإطلاقه على جميع الأقطار كما سمعته آنفاً، وصيب يفيد مبالغة باصله أي مادّة حروفه من الصاد المستعلية، والياء المشدّدة والباء الشديدة الدالة على شدة نزوله، والبناء بمعنى البنية والصيغة لأنّ فيعل صفة مشبهة مفيد للثبوت، والدوام المستلزم للكثرة فسقط ما توهم من أنّ الثبوت لا يدل على المبالغة كما أشرنا إليه، وتنكيره دال على التهويل والتكثير، وقوله وقيل المراد بالسماء السحاب أشار بتمريضه إلى أنّ المرضيّ عنده تفسيره بالمطر كما مرّ، وقوله واللام لتعريف الماهية أي على هذا، وليس المراد بالماهية الحقيقية من حيث هي بل في ضمن فرد مّا وهو العهد الذهني، وإنما تعين على هذا لأنه لم ينزل من جميع السحاب ولا من سحاب معين، ولا يصح قصد الأوّل إدّعاء للمبالغة كما في جميع الآفاق لأنه لا يخفى ركاكة أن يقال نزل ليهم مطر شديد من جميع السحاب دون من جميع الآفاق والنواحي فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ المصنف ضرب على هذا بقلمه، وما يتوهم من أنّ المراد بالط هية، والحقيقة ما يشمل الاستغراق حتى لا ينافي ما مرّ فخبط بما لا يخفى فساده فتأمّل، وما قيل: من أنّ قوله من السماء يبطل ما قيل من أنّ السحاب يأخذ ماءه من البحر أو أنّ ماءه يكون من أبخرة متصاعدة من الأرض في الهواء لأنّ نزوله من جهة السماء لا ينافي شيئا مما ذكر، ولذا تركه المصنف. قوله: (إن أريد بالصيب المطر الخ) الإضافة في ظلماته لأدنى ملابسة لا بمعنى في وتكاثفه بتتابع القطر لأن تلاصق القطرات وتقاربها يقتضي قلة تخلل الهواء المنتشر المستنير، وظلمتة بسحمته وسواده لأنه لا ظلمة له في نفسه كالمطر، وقوله مع ظلمة الليل أي منضمة إليها ولم يقل وظلمة الليل لأنها ليست في المطر بل الأمر بالعكس، ثم إنّ الظرف بينه وبين المظروف ملابسة تامّة فاستعيرت الأداة الدالة على تلك الملابسة لمطلق الملابسة الشاملة للسببية، والمجاورة وغيرهما فلا يتوهم أنه جمع فيه بين معنيين أو معان مجازية، والأحسن أن يقال إنها بمعنى مع كمال في قوله تعالى {ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ} [الأعراف: ٣٨] فإنه أحد معانيها ال مذكورة في المغني وغيره، ولك أن

تقول قول المصنف مع ظلمة الليل إشارة إلى هذا، وأمّا جعل ظلمة الليل فيه بتبعية الظلمتين الأخريين تغلي! اً كما قاله: قدس سرّه ومن تبعه فتعسف لما فيه من تغليب المعنى المجازي، وجعل المجاز على المجاز، وظلمة الليل في كلا التمثيلين كالمصرّح بها كما أشار إليه الفاضل المحقق ألا ترى قوله استوقد نارا هل يوقد للإضاءة في غير الليل، أما سمعت قولهم في المثل كموقد الشمع في الشمس وكذا قوله {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} أيكون مثله في سلطان الشمس بالنهار، ولكونها ظلمة أصلية لا ينفك عنها الزمان لم يصرّح بها إيجازا فلا يرد عليه ما فيل من أنّ ظلمة الليل من أين تستفاد حتى يحتاج إلى الجواب بأنها من الجمع، ومقام المبالغة فتدبر. قوله: (وجعله مكاناً للرّعد إلخ) إشارة إلى أنّ الظرفية فيهما مجازية بالمعنى السابق لا بمعنى آخر، وفي الكشاف إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة به فهما فيه ألا تراك تقول فلان في البلد، وما هو منه إلاً في حيز يشغله جرمه، ولشراحه فيه كلام لم يصف من الكدر والذي ارتضاه سيد المحققين أنه توجيه لظرفية المطر للرعد والبرق لعدم ظهورها ظهور ظرفية السحاب لهما بأنهما لما كانا في محل متصل به هو أعلاه، ومصبه أي السحاب جعلا كأنهما فيه باستعارة في لملابسة شبيهة بملابسة الظرفية كما شبهت بها ملابسة الشخص للبلد، وأستعملت فيها وليس المراد بالبلد جزأه، وقيل أراد أنّ المطر كما ينزل من أسفل السحاب ينزل من أعلاه فيشمل الفضاء الذي فيه الغيم فهما في جزء من المطر

<<  <  ج: ص:  >  >>