للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأراد لو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد، وأبصارهم بوميض البرق، والمصنف غير صنيعه فقيد المفعول المحذوف دون الجواب كما صنعه، ولم يتعرضوا لوجه عدول المصنف عنه، ولا لما قصده، ولم يزيدوا على نقل ما في شروح الكشاف على عادتهم فكأنه لما في الكشاف من مخالفته للمعتاد من التقدير في موضعين من الشرط والجواب، فلذا اقتصر المصنف على أحدهما، ولو قيل بأنه بيان لحاصل المعنى لم يكن في محله أيضاً، فصنيع المصنف أحسن على كل حال وفيه نظر سيأتن، وأمّا التقييد بما ذكر فوجهه كما قال قدس سرّه: أنه إشارة إلى أنّ جملة ولو شاء الله عطف على مجموع الجمل الاستئنافية، أعني يجعلون وما بعده نظر إلى محصول معناها، فإنّ الأوّل متعلق با أس عد وشدّة صوته، والآخرين بالبرق وشدّة ضوئه، وقيل: غرضه من هذا التقدير بيان ربطها المعنويّ بتلك الجمل، وأمّا عطفها فعلى قوله {كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ} [البقرة: ٢٠] وعليه قيل: إنه كان ينبغي أن يجعل السؤال مركباً من أمرين، كأنه قيل كيف يصنعون في خفوق البرق وخفيته، وهل كان البرق يضرّهم، إلا أنه لم يذكر الثاني عند الإسنئناف الثالث لظهور العلم به، كما قيل في رد ما أورد عليه وأشير إليه بصيغة التمريض من أنه لا يظهر كون هذه الجمل جواباً للسؤال المقدّر قبل قويه كلما أضاء إلخ، وأمّا القول بأنّ هذا الردّ غير تام لأنّ العطف لا يقتضي استقلال المعطوف في حكم المعطوف عليه، لجواز كون الثاني من تتمة الأوّل، ويكونان مشتركين في حكم واحد كما في قوله السكنجبيل خل وعسل، والرمان حلو حامض، فلا بد من ضم عدم كون المعطوف من تتمة المعطوف عليه، والأوجه في التوجيه أن يقال هذه الجملة معترضة على رأي، أو معطوفة على الاستئنافية الأولى، أو حال من ضمير قاموا بتقدير وهم لو شاء الله إلخ، فليس بشيء كما ستراه، وكذا ما قيل من أنّ الأظهر أنّ هذه الجملة أتى بها لتوبيخ المنافقين حيث لم يتنبهوا، لأنّ من قدر على أيجاد قصيف الرعد، ووميض البرق وإعدامهما قادر على إذهاب سمعهم، وأبصارهم فلا يرجعون عن ضلالهم فلا حاجة إلى اعتبار إذهابه بالقصيف والوميض، إلا أن يقال أنه لو لم يعتبر الإذهاب بالأسباب كان تعلق المشيئة غريبا، إلا أنه ظهر للشرطية فائدة هي أليق بالمقام، وإنما قصصنا عليك جملة المقال لتعلم أنه ليس في السويداء رجال، فإن أردت أن تقف عنى حقيقة الحال فاعلم أنهم لما رأوا ترك العاطف، أولآ لما مرّ

واقتران هذه به لما بينهما من المناسبة، وهي أنّ المراد بالإذهاب الإذهاب بالقصيف، والوميض، لا المطلق رأى الفاضل المحقق أنّ العطف على الأقرب أظهر هنا وأقرب، ولما رأى المناسبة بين المتعاطفين في الجوابية غير تامة جعلها بالنظر لجميع ما قبلها، فكأنه قيل هم محترزون من الرعد بسد المسامع، ويتألمون بالبرق الخاطف والإظلام، ولو أراد الله أعماهم وأصمهم فلم يفدهم صنيعهم شيئا، فأشار قدّس سرّه إلى ردّه بأنّ المناسبة إنما تعتبر بين المتعاطفين، وعطف ما ليس بجواب على الجواب ليس بصواب، فلتكن معطوفة على جميع ما قبلها من غير تكلف، وكأنه جعله من عطف القصة على القصة لخروجه عن التمثيل فكأنه قصة أخرى، وهو وإن كان خلاف الظاهر أسلم من التكلف وأحسن من هذا، وأسلم أن يقال لا بأس بأن يزاد في الجواب ما يناسبه، وان لم يكن له دخل فيه فلو أنّ أحدا قال لك أين تسكن فقلت أسكن البصرة وأتكسب فيها مكاسب واسعة واسعف بفضل كسبي إخواني لم يعده أحد خطأ، بل يستحسن إذا اقتضاه المقام ألا ترى قوله تعالى {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: ١٧] وقوله في الجواب هي عصاي إلخ كما سمعته غير مرّة، وأمّا ما قصصناه من قول بعض أرباب الحواشي أنه يجوز كونه تتمة للأوّل أو في حكم شيء واحد كالسكنجبيل خل وعسل فلا محصل له، لأنّ المعترض قال: إنّ فيه عطف ما ليس بجواب عليه، ومثله لا يصح، وما ذكره من مثل الرمان حلو حامض لا يجري في الجمل، ولا يجوز عطفه على الأصح عند أهل العربية لأنهما في حكم كلمة واحدة لتأويلهما بمز، ولا مساس له بما نحن فيه، وكون الجملة اعتراضية أو حالية بتقدير المبتدأ، أو معطوفة على الجملة الأولى مع تخلل الفاصل، والأسئلة المقدرة وعدة أوجه لا وجه له، ومثله فضول عند أهل الفضل، لأنه لا يجدي في دفع الاعتراض الذي هو بصدده، وما ذكره القائل بأنها للتوبيخ إلخ، محل للتوبيخ لأنّ العطف يأباه إذ لا يصح عطف الممثل له على حال الممثل به، ألا ترى أنه لما قصد مثله فصل

<<  <  ج: ص:  >  >>