للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في قوله {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} فإن قلت إذا قيد المفعول المقدر بما قيد به المصنف في قوله أن يذهب بسمعهم إلخ، يكون مستغرباً لأن ذهاب السمع والبصر بمثله غير معهود فتقديره في الجواب كما فعله الزمخشريّ، إن لم يكن لازماً فهو أحسن، وهو الداعي له على ذلك فالمصنف غافلى أو متغافل قلت قول الزمخشريّ، وأراه يحتمل أن يريد أنه مراد من الكلام من غير تقدير، وعليه فلا إشكال ولا مخالفة بين كلام المصنف وكلامه، ولذا لم يقل والتقدير وعطفه بالواو على تفسيره مطلقاً، ولو سلم فلك أن تقول إنه لما قدم ما يدل عليه من قوله {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي} [البقرة: ١٩] انهم} وقوله {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} قوى دلالة السياق عليه، فأخرجه عن الغرابة، ولك أن تقول لو أبقى على إطلاقه كان أقوى، والمعنى لو أراد الله إذهاب قواهم أذهبها من غير سبب فلا يغنيهم الاحتراز والخوف مما خافوه، والمناسبة المحسنة للعطف موجودة فلم تركوه فتدبر. قوله: (ولقد تكاثر حذفه في شاء وأراد) أي حذف المفعول

في شاء وأراد ومتصرفاتهما إذا وقعت في حيز الشرط لدلالة الجواب على ذلك المحذوف معنى مع وقوعه في محله لفظا، ولأنّ فيه نوعاً من التفسير يعد الإبهام إلاً في المستغرب، فلا يكتفي فيه بدلالة الجواب بل يصرح به اعتناء بتعيينه ودفعاً لتوهم غيره لاستبعاد تعلق الفعل به لاستغرابه، فلو قلت لو شئت بكيت دماً جاز، توهم قصدك لو شئت بكا بالدمع الجاري على المعتاد، والدم المذكور جاء بدلاً عنه من غير فصدك له كأنك قلت لو شئت أن أبكي دمعا بكيت دماً فاعتمدت في حذف المفعول وتعييته على العادة المعروفة وكونه مرجوحا لدلالة تقييد الجواب على خلافه، وأنّ المقدر مثله لا ينافي الاحتمال والتوهم، فإذا ذكر المفعول زال الاحتمال خصوصاً إذا لم يكن المخاطب ذكياً فمن قال إن لو شئت بكيت دماً لا يحتمل سوى لو شت أن أبكي دما لبكيتة، فقد كابر يعئ قول الفاضل المحقق هنا أنّ التعليل بأنه لو حذف فقيل لو شئت أن أبكي لبكيت دماً كما قال الآخر:

ولم يبق مني الشوق غيرتفكري فلوشئت أن أيكي بكيت تفكرا

أي يخرج بدل الدمع التفكر ليس بمستقيم لأنّ الكلام في مفعول المشيئة فلو قيل لو شئت بكيت دماً واكتفى بقرينة الجواب لم يحتمل سوى لو شئت أن أبكي دماً لبكيتة.

أ-دول إنه قدّس سرّه لم ينصف فيما ثغ به على السعد رحمه الله وجعله مكابرة لأنّ مراده

الردّ لما وقع في الكشف في تمثيله واستشهاده لأنّ هنا أمرين معمول المشيئة نفسها ومفعول متعلقه، وما نحن فيه هو الأوّل وما مثل به من لو شثت أن أبكي بكيت دماً من الثاني لأنّ المحذوف مفعول أبكي لا مفعول شثت، ثم إنه لم يقل لا احتمال فيه أصلاً حتى يقال: إنه مكابرة بلى قال لو اكتفى بقرينة الجواب، ولم يكن ثمة غيرها ولا شبهة حينئذ في عدم الاحتمال وأمّا إذا لوحظ معها قرينة أخرى كالمعتاد في البكا من الدمع احتمل غير ما ذكر فسقط الاعتراض، ولو قيل إنه استشهاد معنويّ على حذف مفعول مغاير لما في الجواب كان مع تكلفه غير مسلم أيضاً لأنّ البيت يحتمل عدم التقدير بتنزيل البكا منزلة اللازم أي لو شئت بكا ما بكيت تفكرا كما في دلائل الإعجاز، ولا تكلف فيه أصلاَ، وأمّا ما قيل من أنّ المذكور في جواب لو هو البكا المتعلق بالدم فأخذ البكا من المذكور يخيه، وترك متعلقه والاعتماد في تعيينه بالمعتاد خروج عن الإنصاف، ومخالفة للحق الظاهر دال على أنّ المعترض ليس هو المكابر فالصواب في الجواب أن يقال لا نزاع في أنّ الكلام في متعلق المشيئة لكنه قد يكون مطلقاً عن القيد كما في فلو شئت أن أبكي بكيت تفكراً فيتبادر منه المعتاد، وقد يقيد بقيد هو منشأ الغرابة فإذا حذف اعنمادا على الجواب لم يخكن المفعول الذي تعلق به فعل المشيئة غريبا مذكورا لانتفاء المقيد بانتفاء قيده فيلتيس المفعول المقيد بما يفيد الغرابة بمفعول مطلق عنه، ويراد به

المعتاد فاستقم واترك العناد فجريرة لا طائل تحتها، وإنما أوقعه فيه عدم الوقوف على المراد وإنما أوردناه لئلا يتوهم الناظر فيه أنه شيء يعبا به ويقي هنا كلام طويل يعلم مما في المطول وحواشيه، وقوله تكاثر المراد به المبالغة في الكثرة لا التفاعل وإن كان هو أصله. قوله: (ولو شئت أن أبكي دماً إلخ) هو بيت من قصيدة لأبي يعقوب الخزيمي يرثي بها خزيم بن عامر المرّي، وفي شرح شواهد المعاني يرثي بها ابنه ليثا.

<<  <  ج: ص:  >  >>