للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجود، ثم استشهد على إطلاقه على الله بالآية وأسقط الاستشهاد بقوله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] لما سيأتي في تفسيرها وأشار إلى الردّ على ابن جهم، ومن تابعه في منع إطلاق شيء على الله لقوله تعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولو كان شيئاً دخل تحت القدرة، وهو مناف لأنه واجب الوجود بأنّ الذي في الآية بمعنى، والذي يطلق عليه بمعنى آخر أو هو عامّ مخصوص بالعقل، وما قيل من أنّ إرادة شاء بزنة فاعل في قوله تعالى {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً} [الأنعام: ١٩] بعيد جذاً

بل المراد أيّ موجود أكبر شهادة كما لا يخفى مدفوع بأنه أصله ذلك، ثم غلب على الموجود مطلقا، وهو المراد كما سنوضح لك عن قريب. قوله: (وبمعنى مشء) بفتح الميم وفي آخره همزة، وقد تبدل ياء، وتدغم اسم مفعول بوزن مبغ ومهيب، وعلى ما قبله وهو اسم فاعل وهو في الأصل مصدر تجوّز به عن كل من هذين المعنيين، واستعمل استعمال المشترك، ثم شاع وغلب استعماله في ذات كل موجود وهو بعد هذه الغلبة عامّ لا مشترك لفظيّ، ولا ينافيه أنه قد يلتفت إلى معناه الأصلي فيراد في الاستعمال كما ذكره المصنف فيما نحن فيه الآن فلا يرد عليه أنّ معناه المصدري قد زال بالنقل إلى الاسمية والاشتراك بين الفاعل والمفعول خلاف الظاهر لتعين معناه لمطلق الوجود، ولذا قالوا الشيئية تساوق الوجود، وفيه بحث. قوله: (وما شاء الله وجوده فهو موجود إلخ الا يخفى ما في كلامه من الخرق الذي أتسع على الراقع، وان غفل عته كثير ممن شرحه، ولنحك ما قالوه أوّلاً، ثم نبين ما فيه فنقول من الناس من قال: المراد أنه مقدر الوجود في وقت مقدر له أو في علم الله تعالى، وفيه رائحة من الاعتزال لقوله بأنه يطلق على المعدوم، وإنما تكلفه ليخرج المستحيل الذي سماه المعتزلة شيئاً، وإنما يسمى قبل وجوده شيئا باعتبار ما يؤول إليه، وما في الانتصاف من أنه يسمى أوّل وجوده شيئاً بلا خلاف ليس بشيء لمن عنده إنصاف، وقيل: إنه من مزال الأقدام لما مرّ من تحرير محل النزاع بين المعتزلة وأهل السنة، والفرق بين كلامهم وكلام أهل اللغة، والمصنف رحمه الله خلط ذلك خلطاً لا يخفى، وتوجيهه أنه أراد أنّ الشيء في أصل اللغة مصدر أطلق بمعنى شاء أو مثى، وكلاهما موجود أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فلأنه ما تعلقت به المشيئة، وما تعلقت به فهو موجود فثبت أنّ الشيء مختص بالموجود وان أراد أنّ الشيء بمعنى الشيئية يختص بالموجود وانق الجمهور الآ أنّ إثبات تعليله المذكور دونه خرط القتاد، ولعل مراده هو الأوّل، وقيل: إنه " جواب عما يرد عليه من أنّ طروّ العدم من الممكن قد يقع متعلقاً للمشيثة كالإعدام بعد الإيجاد بأنّ المشيئة إذا أطلقت تنصرف إلى الكاملة فمشيئة الله لما شاء وجوده تصيره موجودا في الجملة، ولو في المستقبل والمراد بيان المناسبة بين المنقول، والمنقول عنه، وكلها إعتذارات أعظم من الجنايات وتطويل بغير طائل، وتحصيل لغير حاصل وأنت بعدما غرفت أنّ الخلاف في إطلاقه على المعدوم الممكن كما ستراه وما يوجد في المستقبل قبل وجود. معدوم ممكن فلا يكون بيننا وبينهم على ما ذكره المصنف رحمه الله خلاف أصلاً، والذي أوقعه فيما وقع فيه كلام الراغب، ثم إنّ ما ذكره من قوله وعليه قوله تعالى إلخ هو دليل لهم لا لنا لإستحالة تعلق القدرة والخلق، والإيجاد بالموجود بعد وجوده وهو مع جوابه مذكور في التفسير الكبير فتدبر.

وقيل إنه مبنيّ على أنّ العدم لا يحتاج إلى المشيئة بل عدم مشيثة الوجود كاف- في العدم

فإنّ علة عدم المعلول عدم علته، وهذا هو الباعث له على تقديره في نحو قوله {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم} [البقرة: ٢٥٣] {وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ} كما مرّ فإن قلت إذا كان على كل شيء قدير على ظاهره من غير احتياج إلى تخصيصه عند المصنف رحمه الله فلم قال في قوله تعالى {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: ٧] على قراءتيه مخصوص بمنفصل أو متصل كما سيأتي قلت لما كان المعنى الأصلي فيه متروكاً في الأغلب، وقامت القرينة على تركه، وهو التصريح بخلقه بعده بنى ما هناك عليه فتأمّل. قوله: (بلا مثنوية) المثنوية كالمعنوية بمعنى الاستثناء صرّح به أهل اللغة وورد في الحديث الشريف وفي كلام فصحاء العرب كقول النابغة:

حلفت يميناً غيرذي مثنوية ولاعلم إلاً حسن ظن بصاحب

وقال في النبراس أصل معناها الرجوع والانصراف كما في قول حمزة سيد الشهداء:

<<  <  ج: ص:  >  >>