للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما سيأتي تفسيرها مع المناسبة لما هنا لأنها في حق اليهود وأكثر المنافقين منهم، وحمل التوراة قراءتها وحفظها، وقوله {لَمْ يَحْمِلُوهَا} [الجمعة: ا] لتنزيل حملهم لها منزلة العدم كما في قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: ١٧] أو المراد لم يلتزموا حقها كما في قوله تعالى {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} [الأحزاب: ٧٢] فحالهم مع التوراة التي هي كتاب عظيم فيه نور وهدى نافع مع عدم الانتفاع به لجهلهم وحمقهم، كحال حمار يحمل حملاً ثقيلاً من الكتب النفيسة، ولا يناله منها إلا التعب والكد، وفي ذكر الأسفار هنا لطف ظاهر لإيهام أن يكون جمع سفر بفتحتين، مع أنه المتعارف في التعبير عنها كما لا يخفى. قوله: (والنرض منهما إلخ) أي المقصود والمعنى المراد، وليس المراد ما يترتب على الشيء حتى يفسر بالحكمة والمصلحة، لأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض! ، كما قيل، فالمراد من التشحيه فيهما على تقدير التركيب تشبيه حالتين بحالتين، والمشبه في الأوّل مجموع أحوال المنافقين في تحيرهم واضطرابهم مع إظهارهم الإيمان حفظاً لدمائهم وأموالهم وذراريهم وأهلهم، وزوال ذلك عنهم سريعاً بإفشاء أسرارهم وافتضاحهم المؤدّي إلى خسارة الدارين، والمشبه به حال المستوقد نارا مضيئة له فانطفأت، ووجه الشه صلاح ظاهر الحال الذي يؤول لخلافه، وفي الثاني حالهم في الشدّة ولباس إيمانهم المبطن بالكفر المطرّز بالخداع حذر القتل، بحال ذوي مطر شديد ببرق ورعد يرقعون خروق آذانهم بأناملهم حذر الهلاك، ووجه الشبه وجدان ما ينفع ظاهره وفي باطنه بلاء عظيم، والمكابدة المقاساة وأخذته السماء بمعنى أحاط به مطرها وغلبه، وفي قوله: من الحيرة والشدة لف وير

مرتب، فالحيرة للتمثيل الأوّل، والشدّة للتمثيل الثاني، ويحتمل رجوع كل منهما لكل منهما، وبحال معطوف على بما يكابد وما مصدرية أو موصول، وطفئت مجهول مهموز اللام، وفي نسخة انطفأت، وفي أخرى انطفت بدون همز بإبدالها وإجرائه مجرى المعتل، والقياس غيره. قوله: (من قببل التمثيل المفرد إلخ) يعني أنه من تشبيه المفردات بالمفردأت، وهو المسمى بالتشبيه المفرق، ولما كان قوله: المفرد يوهم أنه لا تعدد فيه فسره بقوله: وهو أن أخذ أشياء إلخ، أي أن تأخذ أشياء متعدّدة من غير تركيب فتشبهها بمثلها. كما سنبينه لك، وفي الكشاف أنه إذا كان التشبيه مفرقا فالمشبهات مطوية على سنن الاستعارة، كقوله {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} ! سورة فاطر: ١٢] الآية. ثم قال: فإن قلت الذي كنت تقدره في المفرق من التشبيه من حذف المضاف وهو قولك أو كمثل ذوي صيب هل تقدّر مثله في المركب منه، قلت لولا طلب الراجع في قوله {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم} ما يرجع إليه لكنت مستغنيا عن تقديره، لأني أراعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام، فلا عليّ أولى حرف التشبيه مفرد يتاتى التشبيه به أم لم يله إلخ، والمراد أنه على التفريق طوى ذكر المشبهات، كما في الاستعارة المصرّحة لطيّ ذكر المشبه فيها لفظا وتقديرا قطعاً، وقد يجري التشبيه على سننها وان فرق بينهما بوجهين، الأوّل أنّ المتروك في التشبيه منويّ مراد، وفي الاستعارة منسيّ بالكلية، كما مرّ تحقيقه في الاستعارة التمثيلية في قوله {خَتَمَ اللهُ} الآية من أنّ المعاني قد يقصد إليها بألفاظ منوية غير مقدرة في النظم، الثاني أنّ لفظ المشبه به في التشبيه مستعمل في معناه الحقيقيّ، وفي الاستعارة في معنى المشبه حتى لو أقيم مقامه صح أصل المعنى من غير فرق، وإن فاتت المبالغة، وإذا قدّر فربما انتظم مع المذكور بلا تغيير كما هنا، وقد يحتاج إلى التغيير كما في قوله تعالى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} [فاطر: ٢ ا] على ما فصل في محله ثم إنه ذكر أنه على التفرين يحتاج إلى التقدير دون التركيب، وظاهره أنه يقدّر كمثل ذوي صيب إلا أنّ تعليله بطلب الضمير للمرجع يقتضي تقدير ذوي صيب، وأمّا تقدير مثل فلأنّ المقصود تشبيه صفة المنافقين بصفة ذوي الصيب، فتقديره أو في بتأدية هدّا المعنى، وأشد ملاءمة مع المعطوف عليه، وهو كمثل الذي إلخ. ومع المشبه وهو مثلهم وان صح أن يقال أو كذوي صيب كقوله تعالى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ} [يونس: ٢٤] إلخ وقيل تقدير المثل أمر مسلم يقتضيه العطف على السابق وينبني عليه تقدير ذوي لأنّ إضافة القصة إلى كل من الأجزاء التي تدخل فيها صحيحة، لكن إضافتها لأصحابها حقيقية ولغيرهم مجازية لما ذكر في قوله {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [البقرة: ٢٦١] وقد قيل عليه ما فيل فمن أراده فعليه بالنظر فيه، وهذا كله مما لا كلام

<<  <  ج: ص:  >  >>