للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاءت معرفة هنا وفي سورة التحريم نكرة موصوفة، لأنها نزلت أوّلاً بمكة فعرفوا منها ناراً موصوفة بهذه الصفة ثم جاءت في سورة البقرة مشاراً بها إلى ما عرفوه أوّلاً، ولذا قالط بعض الفضلاء الأظهر أنّ الوصف بشيء لا يجب كونه معلوما بل يجب إمّا كونه معلوما أو بحيث يعلم بأدنى توجه ألا تراك تقول اضرب رجلا يضربك، وهو لا يدري من سيضربه لكنه يعلمه بعد الوقوع وكون الخالق هو الله مما تقزر لأنهم لا يشركون فيه وإنما يشركون في العبادة كما مرّ وبه صرّح في النظم المذكور فلا حاجة إلى ادّعاء التغليب على تقدير العموم في الخطاب لعدم الخفاء عند المسلمين، وإنما الكلام فيمن عداهم وإخراجه مخرج المقرّر في التعبير بعبارته لا ينافي كونه مقرّرا في الخارج حتى يتأتى تعليله باعترافهم والاستدلال بالآيتين اللتين ذكرهما المصنف رحمه الله على الاعتراف ظاهر والتنظير فيه والقول بأنّ الوجه هو الثاني لا وجه له. قوله: (أو لتمكنهم من العلم به بأدنى نظر) أي بأقرب نظر أو أقله لسهولته وهذا إن كان من الكفرة من لا يعلم أنّ الله خالقه وخالق من قبله لا سيما على ما فسر به المصنف رحمه الله القبلية فنزل قدرته على العلم منزلة حصوله وأخرجت الجملة مخرج المعلوم على خلاف مقتضى الظاهر فإنه قد ينزل غير العالم منزلة العالم لوضوح البراهين كما ينزل العالم منزلة الجاهل لعدم عمله. قوله: (وقرئ من قبلكم) القراءة المشهورة بمن المكسورة الميم الجارّة، وقد استشكلت أيضاً بأن الجارّ والمجرور لا يصح أن يكون صلة إلا إذا جاز أن يخبر به عن المبتدأ ومن قبلكم ناقص ليس في الإخبار به عن الأعيان فائدة فلا يصح أن يقع خبراً إلا بتأويل فكذلك حكمه في الصلة وتأويله أن ظرف الزمان إذا وصف لفظاً أو تقديراً مع القرينة الواضحة صح الإخبار به والوصل فتقول نحن في يوم طيب وما هنا بتقدير في زمان قبل زمانكم، وقال أبو البقاء التقدير هنا والذين خلقهم من قبل خلقكم فحذف الفعل الذي هو صلة وأقيم متعلقه مقامه، وأمّا قراءة من بفتح الميم كالموصولة وهي قراءة زيد بن عليّ الشاذة فمشكلة لتوالي موصولين والصلة واحدة

ولا يصح أن يكون تأكيداً لأنّ المعنوي بألفاظ مخصوصة واللفظيّ بإعادة اللفظ بعينه، وهذا خارج عنهما فخرجت كما قاله المصنف رحمه الله على إقحام الموصول الثاني أي زيادته وأصل معنى الإقحام إدخال شيء في آخر بفف كما مرّ كما أقحم الشاعر في قوله:

يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم

تيما الثاني بين الأوّل وما أضيف إليه وأقحم لام الإضافة أيضاً بين المتضايفين في لا أبا

لكم إلا أنّ المصنف رحمه الله ترك الثاني مع ذكره في البيت وتصريح الزمخشري. به لأنه عند ابن الحاجب ليس مضافا واللام زائدة وأنما عومل معاملة المضاف وارتضاه المصنف رحمه الله لسلامته من التكلف، وقيل على هذا التوجيه أنه غير سديد لأنّ الحرف لا يؤكد بدون إعادة ما اتصل به فالموصول أولى بذلك، وخرج على أنّ من موصولة أو موصوفة وهي خبر مبتدأ مقدر فما بعده صلة أو صفة وهو مع المقدر صلة الموصول الأوّل والتقدير الذين هم من قبلكم، والمراد بالتأكيد على تقديره الزيادة لأنّ الزيادة تفيد تقوية الكلام في كلامهم فلا يرد عليه ما قيل من أنه خارج عن قسمي التأكيد وقد أجاز بعض النحاة زيادة الأسماء وأجاز الكسائي أيضاً زيادة من الموصولة وجعل منه قوله:

وكفى بنا فضلاً على من غيرنا

فلا حاجة إلى أن يقال إنه تكيد لفظيّ فإنه يكون بعينه وبمرادفه فيرد عليه أنّ الموصول

بدون صلته لا يفيد شيئا فكيف يؤكد. قوله: (يا تيم تيم عديّ لا أباً لكم) هو مصراع بيت من شعر لجرير هجا به عمر بن لجا بن حدير أحد بني مصاد والشعر أوّله:

هاج الهوى وضمير الحاجة الذكر واستعجم اليوم من سلامة الخبر

وياتيم تيم عديّ لا أبالكم لايلقينكم في سورة عمر

أحين صرت سمامايا بني لجا وخاطرت بي عن أحسابها مضر

خل الطريق لمن يبني المنار به وأبرز ببرزة حيث اضطرك القدر

وبرزة أمّ عمر بن لجا فأجابه عمر بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>