وقال: المحلى باللام الاستغراقية لتناوله الآحاد لا يخرج عن حوزة شمول كل واحد من الآحاد بخلاف المعري عنها فإنه قد يخرج عن استغراقه واحد واثنان فيصدق أن يقال لا رجال في الدار وفيها رجل أو رجلان بخلاف لا رجل فقد ضيق الواسع وقصر لما قصر، وليس ما ذكر
من أمور الجمعية سؤالاً وجواباً مبيّ على كون من بيانية كما توهم من تعقيبه به لما عرفته من أنّ اللام إذا لم تكن للعهد تبطل الجمعية لصدق مدخولها على القليل والكثير، ولذا قال المصنف رحمه الله: خرجت عن حدّ القلة ولم يقل دخلت في الكثرة والنكتة في العدول عن الظاهر المكشوف، إذ لم يقل من الثمار للإيماء إلى أنّ ما برز في رياض الوجود يفيض مياه الجود كالقليل بالنسبة لثمار الجنة ولما ادّخر في ممالك الغيب. قوله:(إن أريد به المصدر الخ) أي إذا أريد بالرزق المصدر كانت الكاف في لكم مفعولاً به واللام مقوية لتعدي المصدر واليه أشار بقوله رزقا إياكم، فحذف اللام وفصل الضمير تنبيهاً على زيادتها ومفعوليته، ولولاه كان انفصالاً في محل الاتصال وهو قبيح، وان أريد به المرزوق فلكم صفة له متعلقة بمقدر وقال ابن عقيل بعدما ذكر عن أبي حيان رحمه الله لا يمتنع عكس هذا. قوله:(متعلق باعبدوا على أنه منهي الخ) المراد بالتعلق التعلق المعنويّ، كلعطف وغيره فهو مجرد ارتباط بينهما وفي الكشاف فيه ثلاثة أوجه أن يتعلق بالأمر أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أندد الآن أصل العبادة وأساسها التوحيد، وأن لا يجعل لله ند ولا شريك واختلف الشراح فيه وهل هو بعينه ما ذكره المصنف رحمه الله على أنه تلخيص له كما هو دأبه أو لا فذهب ابن الصائغ إلى اتحادهما وقال إنه عطف نهي على أمر للاشتراك في الطلب وهو من عطف المسبب على السبب وفيه نظر فالفاء عاطفة جملة على جملة ولا ناهية والفعل مجزوم بها لسقوط نونه وقال الطيبي رحمه الله أن لا نافية، وهو منصوب جوابا للأمر ولذا علله بقوله لأن أصل العبادة الخ فالفاء جوابية لأنها إما عاطفة أو جواب لشرط أو ما في معناه كالأمر أو زائدة، وفي الكشف تبعا للرازي معناه اعبدوا فلا تجعلوا وفيه إرشاد لأن العبادة تتناول التوحيد، وقوله لأنّ الخ تصريح بذلك فيحتمل أن يكون عطف نهي على أمر، ويحتمل أن يكرن جواب الأمر والأوّل أقرب لفظاً لعدم الإضمار والتأويل، ومعنى لأن التصريح بالنهي أبلغ مع استفادة ما يستفاد من النصب لجعله محتملا للموافقة والمخالفة وجزم الفاضلان بخلافه فقالا إنه نهي متعلق باعبدوا متفرع على مضمونه على معنى إذأ كنتم مأمورين بعبادة ربكم وهو مستحق للعبادة فلا تشركوا لتكون عبادتكم على أصل وأساس فإنّ أصل العبادة وأساسها التوحيد وهذا أولى من جعل القاضي له معطوفا على الأمر لأن الأنسب حينئذ العطف بالواو كقوله تعالى:{وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}[سورة النساء، الآية: ٣٦] وسيأتي ما فيه، وقيل وجه جواز العطف في الجملة إن تجرّد الفاء المجرّد العطف بلا تعقيب وبعتبر التعقيب بين الأمر والنهي عنه أو يراد بالعبادة قصدها وإرادتها وبصح جعل لا تجعلوا جوابا للأمر ولا يخفى أن شيئاً من هذه الوجوه لا تشعر به العبارة ولا يتبادر من الآية وهذا مما في حواشي الرازي حيث قال بعدما ذكر ما مرّ عن صاحب الكشف وفيه نظر لأنه إذا كان أصل العبادة وأساسها التوحيد فاعبدوا إمّا بمعنى وحدوا فلا
يترتب عليه قوله: فلا تجعلوا الخ فالشيء لا يترتب على نفسه أو مغاير له لأنّ التوحيد أصل تتفرّع عليه العبادة فالأمر بالعكس والنصب في جواب الأمر إنما يجوز إذا كان هنا سببية والعبادة ليست سبباً لعدم الشرك إلا أن تجعل من القلب كقوله تعابى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا}[سورة الأعراف، الآية: ٤] لأنه ليس في كلامه ما يدل على الترتيب لأنّ التعليق أعمّ منه، أقول يرد على ما في الكشف أنّ كلامه لا يخلو من الخلل لأنّ عطفه وجوابيته تقتضي المغايرة بينهما وينافي قوله لأنّ العبادة تتناول التوحيد لأنّ الجزء لا يعطف على الكل بالفاء وإذا عطف كان بالواو أو حتى نحو قدم الحجاج حتى المشاة، ويردّ على ما قاله الفاضلان أنّ قولهما ما إذا كنتم مأمورين بعبادة ربكم وهو مستحق لعبادة فلا تشركوا لتكون عبادتكم على أصل وأسئاس أنه حينئذ مسبب بحسب الظاهر، فهو جواب شرط مقدر والفاء فصيحة أو قريبة منها والسببية بين الأمر والنهي