وقوله: بنوع من الإعجاز أي إظهارة عجزهم عن المباهلة لعلمهم بإجابة دعائه عليه الصلاة والسلام، أو المراد بالإعجاز الإعلام بالمغيب وهو أنهم لا يفعلون ذلك، ولذلك دعاهم صلى الله عليه وسلم، وقوله: لم يجد يعني لم يفد من الجدوى بمعنى المعطية. قوله:(تنازعت اليهود والنصارى الخ) هكذا أخرجه ابن جرير رحمه الله وليس فيه أنهم نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كما في الكشاف فلذا عدل عنه المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى التوفيق بأنهم نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أجابهم بما لم يرضوه. قوله:(والمعنى الخ) ضمير عليهما لليهودية والنصرانية والمراد على واحدة منهما، وما ذكر ٣ من التاريخ رواية وقعت في الثعلبي والتيسير، وما مرّ في قصة مريم من أن بين العمرانين ألف سنة وثمانمائة سنة المقتضى أن يكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام قبل عيسى صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف ويوافقه قول الزمخشريّ بين إبراهيم وموسى صلى الله عليه وسلم ألف سنة، وبينه وبين عيسى صلى الله عليه وسلم ألفان رواية أخرى، فلا يقال إنه غفل عما قدمه أو أنه سهو من الناسخ وانّ العبارة وعيسى بعده بألفين أو إفه ظن ضمير بينه في الكشاف لإبراهيم بمتيرو، والظاهر أنهم ادّعوا حقيقة أنه منهيم فلذا حمقوا وجهلوا فلا داعي إلى ما قيل أنّ مدعاهم أنّ دين إبراهيم يوافق دين موسى لا إن إبراهيم تبع موسى وعمل بما في التوراة فكيف يقال إنهم ادعوا المحال، وأغرب منه دفعه بأنه لو كان الأمر كذلك لما أوتي موسى عليه الصلاة والسلام التوراة بل أمر بتبليغ صحف إبراهيم عليه الصلاة
والسلام. قوله:(ما حرف تنبيه الخ) الظاهر أن بقول على حالهم بدل عن حالهم وحرف التنبيه يدخل على الضمير الواقع مبتدأ إذا كان خبره اسم إشارة قياسا مطردا نحو ها أناذا، وكرّر هنا للتأكيد وقوله حاججتم جملة الخ يعني مستأنفة مبينة وقيل إنها حالية بدليل أنه يقع الحال موقعها كثيراً نحو ها أناذا قائما وهذه الحال لازمة، وقوله: أنتم هؤلاء الحمقى فسره به لتظهر فائدة الحمل وأخذ ذلك من اسم الإشارة فإنه يستعمل للتحقير والتنقيص نحو:
أبعلي هذا بالوحي المتقاعس
قوله:(وبيان حماقتكم الخ) في الكشاف حاججتم جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى
يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم فيما لكم به علم مما نطق به التوراة والإنجيل فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ولا ذكر له في كتابكم من دين إبرإهيم عليه الصلاة والسلام، وكتب عليه الشارح المحقق نظم الكلام ليس على ما ينبغي انتهى، وفيه تأمّل فإنه إمّ أن يريد بالنظم القرآني أو عبارة الكشاف وعلى كل حال فلم يلح لي وجه كونه كذلك اللهم إلا أن يريد إنه إذا كان بياناً فلا ينبغي عطفه وأن البيان المتعارف فيه أن يكون لا يفهم من اللفظ لا للنكات في التعبير، وبمكن أن يقال لا مانع منه ولكونه على النهج الغير المعتاد عطفه لخفاء البيان فيه.
وقيل عليه ويحتمل أن يريد النظم القرآني على تفسيره كما عليه المصنف أيضاً إن فيه
نظراً لأن ما لهم به علم إن كان خلاف ما جادلوا عليه كما هو الظاهر المفهوم من قوله عنادا يرد عليه أنّ قوله تعالى: فم تحاجون لا ينتظم مع السابق لأنّ إنكار غير المنصوص المعلوم دون إنكار المنصوص المعلوم ولا يلائم قوله أو تدعون وروده لأنّ دعوى ورود ما لم يرد في الكتاب مع المجادلة على الخلاف ليس بمقبول وإن كان ما جادلوا عليه فالجدال في المعلوم المنصوص ليس بسبب الحماقة، ولا يلائمه قوله: عنادا ويمكن اختيار الثاني بأنّ الجدال! مع النبيّ الثابتة نبوّته بالآيات الباهرات ولو على المنصوص في كتاب آخر حماقة لأنّ ذلك المنصوص يحتمل النسخ والتأويل على ما لا يخفى وقد يختار الأوّل فالحماقة والجمع بين الجدالين والتجاوز من واحد إلى اثنين ولا يخفى ما فيه وعدم ملاءمتة لقوله أو تدعون انتهى.
(أقول) : لا وجه لهذا لأنّ الإتيان بالواو إشارة إمّا إلى أنه في معنى الحال أو لما مرّ،
وكان المراد بما لهم به علم أمر عيسى وموسى أو نبينا صلى الله عليه وسلم، ولما لا علم لهم به أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنّ الأوّل نبيهم وكتابه بين أيديهم بخلاف الثاني بقرينة السياق والسباق ومجادلتهم مذمومة هنا فهي في الباطل الغير المطابق للواقع فلا يتعلق علم بما جادلوا فيه فالعلم هنا إمّا بحسب المدير أو بالنسبة للطرف الآخر