للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيه نظر لأنه ظاهر في طوعا لموافقة معناه ما قبله لا في كرها، والقول بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل غير نافع، وقد

يدفع بأنّ الكره فيه انقياد أيضاً يقال طاع يطوع وأطاع يطيع بمعنى، وقيل؟ طاعه يطوعه انقاد له وأطاعه بمعنى مضى لأمره، وطاوعه بمعنى وافقه، وقرأ الأعمش كرها بالضم وجملة وله من في السموات جملة حالية أيضا أي كيف تبغون غير دينه والحالة هذه، وعلى هذا التفسير المراد بمن في السموات والأرض الناس فلا يرد عليه أنه لا وجه لحصر سبب الإسلام طوعا في النظر، واتباع الحجة لأنه يكون بسبب هدايته ومشاهداته عندهم كما في الملائكة أو المراد أولو العلم مطلقاً وليس المراد بالنظر الاستدلال بل العلم مطلقا فيشمل ما يحصل بالمشاهدة فتأمل. قوله: (كنتق الجبل) أي رفعه فوقهم من نتق الشيء جذبه ونزعه حتى يسترخي كنتق عري الحمل، ومنه استعير امرأة ناتق أي ولدها كثير، وزند ناتق أي وار. قوله: (أو مختاربن الخ) هذا تفسير آخر فالمراد بالطوع الاختيار وبالكره التسخير فهم مسخرون لحكم القضاء، وما أراد الله بهم فالكفرة مسخرون لإرادة كفرهم إذ لا يقع ما لا يريده، وهذا لا ينافي الجزء الاختياري حتى لا يكون لهم اختيار في الجملة فلا يرد أنّ الكفرة لو لم يكونوا مختارين لم يتوجه تعذيبهم على الكفر، والمؤمنون والملائكة لا يفعلون أيضا إلا ما قضى عليهم فلا فرق وأنه ذهب إلى مذهب الجبرية، والحاصل أنّ الانقياد هنا إمّا لأمره وهو إمّا بالطوع مطلقا أو النظر والحجة بناء على الأغلب أو لإرادته وكونه على وفقها والمؤمن ينقاد لإرادة الله إيمانه باختياره لأنّ الله أمره به فاتبعه راشداً مهدياً تابعاً للأرجح والكافر منقاد لإرادته كفره لما خلقه عليه من حيث جبلته الذي هو كالقاسر له على مخالفة الأمر واتباع المرجوح فتأمل. قوله: (وإليه ترجعون) جوز فيه أن يكون جملة مستأنفة للأخبار بما تضمنته من التهديد أو معطوفة على وله أسلم فهي حالية أيضاً وقرأ عاصم بياء الغيبة والضمير لمن أو لمن عاد عليه ضمير يبغون، فإن قرئ بالخطاب فهو التفات وقراءة الباقين بالخطاب، وهو عائد لمن عاد إليه ضمير يبغون فعلى الغيبة فيه التفات أيضاً. قوله: (أمر للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) يعني ضمير آمنا للرسول والأمة والقرآن نازل عليهم لا على الرسول فقط أو على الرسول كما هو الظاهر، وهو نازل عليه وحده ولكن نسب إلى الجمع ما هو منسوب لواحد منه مجازاً كما في بنو فلان قتلوا قتيلا لكون بين أظهرهم، ونفعه وأصل إليهم أو النون نون العظمة لا ضمير الجماعة. قوله: (والنزول كما يعدى بإلى الخ) فلا فرق بينهما إلا بالاعتبار وفرق الراغب رحمه الله بأنّ ما كان واصلاً من الملأ الأعلى بلا واسطة

كان لفظ على المختص بالعلو أولى به وما لم يكن كذلك كان لفظ إلى المختص بالإيصال أولى به، وهذا كلام في الأولوية فلا يرد عليه قول الزمخشري إنه تعسف وقيل أنزل عليه يحمل على ما أمر المنزل عليه أن يبلغه غيره، وأنزل إليه يحمل على ما خص به نفسه لأنه إليه انتهى الإنزال وعليه قوله تعالى: {أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [سورة العنكبوت، الآية: ٥١] {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [صورة النحل، الآية: ٤٤] وفيه نظر فالتحقيق عدم الفرق كما ذهب إليه العلامة وقوله: (وإنما قدم الخ) أي لما كان معرّفا له ومصدقاً لما فيه ومعرفة المعرف تتقدم على معرفة المعرف قدم عليه أو لتعظيمه والاعتناء به، وقوله: (بالتصديق الخ) إشارة إلى جواز التفريق بغيره كالتفضيل، وقوله: منقادون الخ تفسير للإسلام المعدى باللام والأوّل مبني على إن نحن عبارة عما يعمّ المسلم والكافر، والثاني بناء على تخصيصه بالمسلمين. قوله:) الواقعين في الخسران الخ) إشارة إلى أنه نزل منزلة اللازم فترك مفعوله وقوله: بإبطال الفطرة أي الجبلة إشارة إلى أنّ الخسران وزوال الربح باعتبار ما جبل عليه فكأنه ضيع رأس ماله لأنّ كل مولود يولد على الفطرة فهو قريب من المكنية. قوله: (واستدل به الخ) قيل عليه إن الإسلام هو التوحيد والانقياد كما سبق، وهذا مشتمل على الإيمان بالله وكتبه ورسله مقيداً بالاستسلام فينبغي أن يحمل عليه ودينا تمييز للإسلام ومبين له كما حمل عليه في قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران، الآية: ١٩] فلا حاجة إلى ما ذكره من الجواب فتأمل. توله: (استبعاد لأن يهديهم) أي يدلهم دلالة موصلة لا مطلق الدلالة ولذا فسره في الكشاف بيلطف بهم

<<  <  ج: ص:  >  >>