الآخر، والمداهنة المداراة مجازاً من الدهن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهكذا وقوله: الموصوفون بتلك الصفات مرّ تحقيقه في أولئك هم المفلحون، وقوله: رضاه وثناءه إشارة إلى أنّ المقصود المدح، ودلّ على الرضا واستحقاق الثواب الاتصاف بتلك الصفات السابقة. قوله:(فلن يضيع ولا يتقص الخ) يعني أنّ الكفران والشكر عبارة عما ذكر إذ لا نعمة لأحد عليه حتى تكفر أو تشكر وهو مجاز لا مشاكلة كما قيل، وقوله: البتة مأخوذ من لن فإنها لتأكيد النفي كما مرّ لكن الشكر ونقيضه يتعدى باللام على المشهور وهنا عدى لمفعولين نائب الفاعل والهاء لتضمينه معنى الحرمان ولو قصرت المسافة وجعل أوّلاً بمعنى الحرمان كان أولى، والقراءة بالغيبة بالنظر إلى أمّة وبالخطاب بالنظر إلى كنتم أو التفات. قوله:(بثارة لهم الخ) يعني في ذكر العلم بعد الصفات المذكورة إشارة إلى أنه علم حالهم ومجاهدتهم فيوفيهم أحسن ما عملوه، وفي وضع المتقين موضع الضمير إيذان بالعلة وأنه لا يفوز عنده إلا أهل التقوى فقوله:( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الخ) مؤكد له ولذا فصل. قوله:(من العذاب الخ) الغناء لالفتح مصدر أغني أي أجزاه كما في الصحاح فشيئاً مصحدر لأنه لازم ومن للبدل أو الابتداء أو هو مضمر معنى الدفع والمنع وشيئاً مفعول به، والصاحب ليس هنا بمعناه اللغوي بل العرفي
وهو الملازم. قوله:(ما ينفق الكفرة الخ (خص السمعة والمفاخرة بالكفرة لأنهما شأنهم وهم مجاهرون الكفر فلا يراؤون، وأمّا المنافقون فلا ينفقون على الكفرة وإنما ينفقون على المسلمين وذلك إما رياء أو خوف فلا معنى لما قيل لا وجه للتخصيص المذكور. قوله: (برد شديد الخ (أصل الصر كالصرصر الريح الباردة فيكون معنى النظم ريح قيها ريح باردة، وهو كما ترى يحتاج إلى التوجيه فقال في الكشاف فيه أوجه.
أحدها: أنّ الصزفي صفته الريح بمعنى الباردة فوصف بها القرّة بمعنى فيها قزة صرّ كما
تقول برد بارد على المبالغة.
والثاني: أن يكون الصرّ مصدراً في الأصل بمعنى البرد فجيء به على أصله.
والثالث: أن يكون من قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[سورة الأحزاب، الآية: ٢١] يعني أن الصرّ صفة بمعنى بادر موصوفه محذوف أي برد بارد فهو من الإسناد المجازي كظل ظليل وفيه يعد لأن المعروف في مثله ذكر الموصوف، وأمّا حذفه وتقديره فلم يعهد أو هو مصدر حقيقة بمعنى البرد، واستعماله بمعنى البارد مجاز وهنا جاء على الأصل وهو أظهر الأجوبة أو هو صفة واردة على التجريد كقوله: وفي الرحمن كاف أي هو كاف وجعله بعضهم أحسن الوجوه، والمصنف رحمه الله تركه واقتصره على الأوّلين هـ قوله: (والمراد تشبيه الخ) يعني خص الحرث بحرث من ذكر، والا فكان يكفي في التشبيه كمثل حرث لأنه يقتضي أنّ إهلاكه عن غضب من الله وهو أشذ ولأنّ المراد عدم الفائدة في الدنيا والآخرة وإنما هو في هلاك ما للكافر، وأما غيره فمثاب على ما هلك له لصبره عليه فلا يضيع ذلك بالكلية كما صرّح به في الكشاف، وبحرث كفار إشارة إلى أن المراد بالظلم الكفر، واستأصلته بمعنى قلعته بأصله وأفنته وجعله من التشبيه المركب ولا يلزم فيه أن يكون ما يلي الأداة هو المشبه به كقوله تعالى:{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ}[سورة يونس، الآية: ٢٤] وقد مرّ في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} أسورة البقرة، الآية: ٩ ا] وأن تقدير ذوي إنما
هو لضرورة مرجع الضمير وأنه إذا صرّح بتشبيه المثل بالمثل لزم أن يراعي فيما يضاف إليه المثل من الجانبين المماثلة ولذا قدر في هذه الآية المهلك أو الإهلاك على أنه من المركب الحسيئ أو العقليّ، والوجه قلة الجدوى والضياع، ويجوز أن يكون من التشبيه المفرد فيشبه إهلاك الله بإهلاك الريح والمنفق بالحرث وجعل الله أعمالهم هباء بما في الريح الباردة من جعله حطاما ومهلك على صيغة المفعول. قوله:(وقرئ ولكق الخ) وتقديم أنفسهم على القراءتين للفاصلة لا للحصر والا لا يتطابق الكلام لأنّ مقتضاه ما ظلمهم الله ولكن هم يظلمون أنفسهم لا أنهم يظلمون أنفسهم لا غيرهم، وعلى قراءة التشديد أنفسهم اسمها وجملة يظلمون خبرها والعائد محذوف تقديره يظلمونها وليس مفعولاً مقدماً واسمها ضمير الشأن لما ذكر وقوله:(ولكن الخ) من قصيد للمتنبي يمدح بها سيف الدولة أوّلها: