يحتاج إلى ما ذكر من أنّ الكفر ببعضه كفر بكله وان كان له وجه بل يكفي أنّ الكفر ببعضه ترك للإيمان بكله، وقرق بين الكفر بكل واحد، وعدم الإيمان بكل واحد، ولا يرد عليه أنه خلاف الظاهر لأنه كقولك ما جاءني زيد وعمرو وبكر يقصد أن الجائي أحدهم لأنه فرق بينهما كما أشار إليه بالأمر بالتأمّل لأنه لا تلازم فيما ذكره بخلاف ما نجن فيه فإن قلت: لم ذكر في الإيمان ثلاثة أمور الإيمان بالله والرسل والكتب، وفي الكفر خمسة الكفر بالله، والملائكة والكتب والرسل، واليوم الآخر، وقدم في الإيمان الرسول على الكتاب وعكس في الكفر.
قلت: أجاب الإمام عنه بأنّ الإيمان بالله، والرسل والكتب متى حصل الإيمان بالملائكة، واليوم الآخر، وأما الغمر فربما يزعم الإنسان أنه! ؤمن بالله والرسل، والكتب وينكر الملائكة، واليوم الآخر ويؤوّل ما ورد فيه، وان في مرتبة النزول عن الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدما على الرسول، وفي مرتبة الخروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدما على الكتاب قيل، وهذا ليس بشيء لأن ما ذكره في الكفر مناقض لما ذكره في الإيمان ففي الكفر أثبت الإيمان- بالله، والرسل، والكتاب مع إنكار الملائكة، والقيامة وذلك يأبى قوله: إنه متى حصل الإيمان بها الخ. والسؤال في الترتيب باق لأنه لم اعتبر الصعود في أحد الجانبين فالحق في الجواب أن كل ما اعتبر في الكفر بحسب النفي اعتبر في الإيمان بحسب الإثبات والإيماق بالرسل، والكتب يستلزم الإيمان بالملائكة، والقيامة بخلاف الكفر، وليس النظر في الترتيب إلا إلى التفنن في الأساليب، وفيه بحث لأن مآل ما ذكره راجع إلى ما قاله الإمام عند التحقيق. قوله:(بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه) كما هو شأن الضالّ البعيد المسافة عن مقصده، ولم يقل بحيث لا يعود لأنّ من الكفرة من يسلم كثيراً، ومنهم من غفل عنه فقال: ما قال، وليس بعد الحق إلا الضلال. قوله:(يعني اليهود آمنوا بموسى الخ (قدم في الكشاف التفسير الثاني، ورجحه ثم قال، وقيل هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسىءشبر ثم كفروا بالإنجيل، وعيسى صلى الله عليه وسلم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فقيل إنّ المصنف استدرك عليه بما ذكره فإنه لا يظهر فيما ذكر. تكرار الإيمان والكفر، ثم أورد عليه إن الذين ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ليسوا بمؤمنين بموسى صلى الله عليه وسلم ثم كافرين بعبادة العجل ثم مؤمنين بالعود، ثم كافرين بعيسى تخير مثلا بل هم إما مؤمنون بموسى صلى الله عليه وسلم، وغيره أو كفار لكفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، والإنجيل فالصحيح هو التوجيه الثاني، وكان عليه أن يقدمه كما في الكشاف.
أقلت) أما ترجيح الثاني فلا كلام فيه، وأما عدم صحة الأوّل فغير مسلم لأنه إن أريد بالذين قوم بأعيانهم تعين الثاني، وان أريد جنس ونوع باعتبار عد ما صدر من بعضهم كأنه
صدر من كلهم صح الأوّل، والمقصود استبعاد إيمانهم لما استقرّ منهم ومن أسلافهم فافهم. قوله:(إذ يستبعد الخ) يعني المراد في النظم أنّ من هذا حاله لا يرجع عن الكفر، ويثبت على الإيمان فلذلك لا يغفر له لا أنّ الله لا يغفر له على كل حال، وقوله: ضربت معتل من باب علم بمعنى اعتادته ولهجت به، وهو يتعدى بالباء، وقد يتعدى بعلى باعتبار أنه تمرس عليه، وأصله في تعويد الكلاب على الصيد. قوله:(وخبر كان في أمثال ذلك محذوف الخ) المراد بأمثاله ما يسميه النحاة لام الجحود، وهي الداخلة لفظا على فعلى مسبوق بكان الناقصة منفية بلم أو لتأكيد النفي، وهي زائدة عند الكوفيين وعند البصريين أنها غير زائدة متعلقة بخبر محذوف تقديره مريداً أو قاصداً ونفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه، وهي اللام الواقعة بعد كون منفيّ ماض معنى لا لفظا، وبعدها أن مضمرة وجوباً، وهو ظاهر كلام المصنف، وزعم ابن خروف أنه لا يلزم كونه كونا كقوله ما يريد الله ليجعل وخالفه النحاة، وقيل: إنها تقع في الإيجاب، والذي ذهب إليه ابن مالك الأوّل قال في الألفية:
وبعد نفي كان حتماً أضمرا
أن أي. قوله:(يدل على أنّ الآية في المنافقين الخ) يريد بالآية قوله: {إن الذين آمنوا ثم كفروا} فيكون هذا تفسيراً آخر، وتكرر الإيمان ظاهراً، والكفر باطنا، وكون بشر