للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تمثيل بأن الإصرار كمرض! مهلك فإن عالجه المريض، وامتثل أمر الطبيب فاحتمى عن النفاق والآثام ونقى نفسه بشرية الإيمان، والشكر في الدنيا بريء، والا هلك هلاكا لا محيص عنه بالخلود في النار ولبعض الناس هنا كلام يتعجب منه. قوله: (وإنما قدم الشكر لأنّ الناظر الخ) يعني كان الظاهر تأخير الشكر لأنه لا يعتد به إلا بعد الإيمان، والواو وان لم

تفد الترتيب لكن تقديم ما ليس مقدماً لا يليق بالكلام الفصيح فضلا عن المعجز، ولدّا تراهم يذكرون لما يخالفه وجها، ونكتة، وهي هنا ما ذكره المصنف رحمه الله كغيره، وتوضحيحه أنّ العارف بالله أبا إسماعيل الأنصاري قال الشكر في الأصل اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم، وله ثلاث درجات لأنه إذا نظر إلى النعمة كالخلق والرزق ينبعث منه شوق إلى معرفة المنعم، وهذه الحركة تسمى باليقظة، والشكر القلبي، والشكر المبهم لأن منعمه لم يتضح له تعييبه، وإنما عرف منعماً ما فهو مبهم عليه فإذا تيقظ لهذا وفق لنعمة أرفع منها، وهي المعرفة بأنّ المنعم عليه هو الصمد الواسع الرحمة المثيب المعاقب فتتحرك جوارحه لتعظيمه، ويضيف إلى شكر الجنان شكر الأركان، ثم ينادي على ذلك الجميل باللسان فالمذكور في الآية هو الشكر المبهم، وهو مقدم على الإيمان. قوله: (مثبباً يقبل اليسير الخ) قال الإمام الشاكر في وصفه تعالى بمعنى كونه مثيبا على الشكر، وقوله: عليماً أي هو عالم بجميع الجزئيات، والكليات فلا يعزب عن علمه شيء فيوصل الثواب كاملا إلى الشاكر. قوله: الا يحب الله الجهر بالسوء) قال الطيبي لما فرغ من إيراد بيان رحمته وتقرير إظهار رأفته جاء بقوله: لا يحب الله الجهر بالسوء تتميما لذلك، وتعليما للعباد التخلق بأخلاق الله.

(قلت) الظاهر أنه لما ذكر الشكر على وجه علم منه رضاه به، ومحبة إظهاره تممه بذكر

ضده فكأنه قال إنه يحب الشكر واعلانه، ويكره السوء، وما ذكره لا محصل له، ولا تتم به المناسبة، وفيه احتباك بديع. قوله: (١ لآجهر من ظلا بالدعاء الخ) اختلف في هذا الاستثناء على وجوه منها ما ذكر هنا أنه متصل بتقدير مضاف مستثنى من الجهر، ومما لا حاجة إليه ما قيل إنه تعالى لا يحب الدعاء الخفيّ أيضاً على غير الظالم فتخصيص الجهر لا داعي له إلا سبب النزول المذكور لأنّ الدعاء الخفيّ على غير ظالم لا يصدر من عاقل إذ الدعاء إمّا للتشهي أو لرجاء القبول، وكلاهما غير متصوّر فيه وإنما ذكرنا هذا لتقيس عليه أخواته مما تركناه، وقوله: ضاف بمعنى نزل عليهم ضيفاً، ومصدره الضيافة، أمّا ما يفعله رب المنزل فهو الإضافة مصدر أضاف، ولذا قيل إنّ استعمال الضيافة بمعنى الإضافة غلط وقوله: (وروي الخ) هذا حديث أخرجه عبد الرزاق، وابن جرير عن مجاهد مرسلا. قوله: (وقرئ من ظلم على البناء للفاعل الخ) على هذه القراء الاستثناء منقطع، والمعنى لكن الظالم يحبه، وقدّره المصنف رحمه الله يفعل ما لا يحبه الله، وهو بيان لمحصل المعنى، ومراده أنّ الظالم يحبه فيفعله، وله تقديرات أخر، وهو منصوب، وترك ما ذكره الزمخشرفي من أنه منقطع مرفوع بالإبدال من فاعل

يحب حيث قال: ويجوز أن يكون من ظلم مرفوعا كأنه قيل لا يحب الله الجهر بالسوء إلا الظالم على لغة من يقول ما جاءني زيداً لا عمرو، بمعنى ما جاءني إلا عمرو، ومنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله لأنّ منهم من ردّه، ومنهم من قال لا يظهر له معنى قيل إنه غير صحيح لأنّ المنقطع قسمان قسم يتوجه إليه العامل نحو ما فيها أحد إلا حمار، وفيه لغتان النصب، والبدل وقسم لا يتوجه إليه العامل، والآية من هذا القسم إذ لا يصح أن يكون غير الظالم بدلاً من الله لأنّ البدل في هذا الباب بدل بعض حقيقة أو مجازاً، ولا يصح واحد منهما هنا، وكذا ما ذكره من المثال والآية، ولا نعلم هذا لغة، ولم يذكره غير سيبور رحمه الله فإنه أنثد أبياتاً في الاستثناء المنقطع منها:

عشية لاتغني الرماح مكانها ولا النبل إلا المشرفيّ المصمم

ثم قال، وهذا يقوّي ما أتاني زيداً لا عمرو وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها، ولا منها انتهى بحروفه قال أبو حيان: وليس البيت كالمثال لأنه قد يتخيل فيه عموم على معنى السلاح، وأمّا زيد فلا يتوهم فيه عموم، ولا يمكن تصحيحه الأعلى أنّ أصله ما أتاني زيد، ولا غيره فحذف

<<  <  ج: ص:  >  >>