للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمور التي جبنت عند تصوّرها وفرقت بمجرد تخيلها، وهو أنك لا تأتي الناس بغتة، وتصك وجوههم مكافحة ومجاهرة، وتنعي عليهم ما هم فيه نعيًا صراحًا، وتطلب منهم مفارقة ما ألفوه طلبًا مضيقًا وتقتضيه اقتضاء حثيثًا بل أسلك معهم مسالك المتبصرين في جذب القلوب إلى ما يطلبه الله من عباده ورغِّبهم في ثواب المنقادين إلى الشرع المؤثرين للدليل على الرأي وللحق على الباطل فإن كانوا عامة فهم أسرع الناس انقيادًا لك وأقربهم إمتثالًا لما تطلبه منهم، ولست تحتاج معهم إلى كثير مؤنة بل اكتف معهم بترغيبهم في التعلم لأحكام الله ثم علمهم ما علمك الله منها على الوجه الذي جاءت به الرواية وصح فيه الدليل، فهم يقبلون ذلك منك قبولًا فطريًا، ويأخذونه أخذًا خلقيًا لأن فطرتهم لم تتغير بالتقليد ولا تكدرت بالممارسة لعلم الرأي، ما لم يتسلط عليهم شيطان من شياطين الإنس، قد مارس علم الرأي واعتقد أنه الحق وأن غيره الباطل وأنه لا سبيل للعامة إلى الشريعة إلّا بتقليد من هو مقلد له، واتباع من يتبعه، فإنه إذا تسلط على العامة مثل هذا وسوس لهم كما يوسوس الشيطان، وبالغ في ذلك لأنه يعتقد ذلك من الدين ويقطع بأنه في فعله داعٍ من دعاة الحق وهاد من هداة الشرع وإن غيره على ضلالة، وهذا وأمثاله هم أشد الناس على من يريد إرشادهم إلى الحق ودفعهم عن البدع لأن طبائعهم قد تكدرت وفطرهم قد تغيرت، وبلغت في الكثافة والغلظة والعجرفة إلى حد عظيم لا تؤثر فيه الرقى ولا تبلغ إليه المواعظ فلم تبقَ عندهم سلامة طبائع العامة حتى ينقادوا إلى الحق بسرعة ولا قد بلغوا إلى ما بلغ إليه الخاصة من رياضة أفهامهم، وتلطيف طبائعهم بممارسة العلوم التي تتعقل بها الحجج الشرعية، ويعرف بها الصواب ويتميز بها الحق، حتى صاروا إذا أرادوا النظر في مسألة من المسائل أمكنهم الوقوف على الحق والعثور على الصواب.

وبالجملة فالخاصة إذا بقي فيهم شيء من العصبية كان إرجاعهم إلى

<<  <   >  >>