للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي لا يستحق صاحبها أن يتكلم معها على كلام فرد من أفراد أهل العلم فكيف على كلام الله ورسوله، فبعدًا وسحقًا للمتجرئين على الله وعلى شريعته بالإقدام على التأليفات للناس مع قصورهم وعدم تأهلهم، وقد كثر هذا الصنع من جماعة يبرزون في معرفة مسائل الفقه التي هي مشوبة بالرأي إن لم يكن هو الغالب عليها، ويتصدرون لتعليم الطلبة لهذا العلم، ثم تكبر أنفسهم عندهم لما يجدونه من اجتماع الناس عليهم، وأخذ العامة بأقوالهم في دينهم فيظنون أنهم قد عرفوا ما عرفه الناس، وظفروا بما ظفر به علماء الشريعة المتصدرون للتأليف والكلام على مسائل الشريعة، فيجمعون مؤلفات هي مما قمشت (١)، و "طم حبْلُ الحاطب صُنْعُ من لا يدري لمن لا يفهم"، ثم يأخذها عنهم من هو أجهل منهم وأقصر باعًا في العلم، فينتشر في العالم وتظهر في الملة الإسلامية فاقرة من الفواقر وقاصمة من القواصم، وصاحبها لجهله يظن أنه قد تقرب إلى الله بأعظم القرب، وتاجره بأحسن متاجرة، وهو فاسد الظن باطل الاعتقاد مستحق لسخط الله وعقوبته، لأنه أقدم في محل الإحجام وتحلّى بما ليس له، ودخل في غير مدخله، ووضع جهله على أشرف الأمور وأعلاها وأولاها بالعلم والإتقان والتمييز وكمال الإدراك فهذا هو بمنزلة القاضي الذي لا يعلم بالحق فهو في النار (٢)، سواء حكم بالحق أو الباطل، بل هذا الذي أقدم على تصنيف الكتب وتحرير


(١) قمش: الشيء جمعه من هنا وهناك. (الحبشي).
(٢) إشارة إلى حديث الرسول : "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، قاض قضى بغير الحق وهو يعلم فهو في النار وقاض قضى وهو لا يعلم فهو في النار (وفي رواية أخرى: قضى بغير الحق وهو لا يعلم)، وقاض قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة" رواه أبو داود (٣٥٧٣)، ابن ماجه (٢٣١٥) الحاكم ٤/ ٩٠؛ الطبراني ٢/ ٢٠ - ٢١ (١١٥٤، ١١٥٦)، البيهقي ١/ ١١٦ - ١١٧؛ مجمع الزوائد ٤/ ١٩٣ - ١٩٥.

<<  <   >  >>