للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تعرض للمضايقة والأذى من هؤلاء المقلدين وكتابه هذا (أدب الطلب) طافح بالمرارة والشكوى منهم ومما ألحقوه به من ألوان العنت والأذى. ولهذا جاء موقفه الأخير (اتهامهم بالكفر والزندقة) أقرب ما يكون إلى العاطفة وردود الفعل منه إلى الحياد والموضوعية فانسياقه وراء هذه العواطف والانفعالات، جعلته يبتعد عن منهجه ومواقفه السابقة من التكفير - كما أشرنا - ودفعته إلى تصويب أحكام الإعدام التي أصدرها القضاة خارج اليمن ضد المخالفين في الرأي، وقبوله لها دون أن يخضعها للتمحيص والنقد إذ لو فعل ذلك ودرس حالة المحكوم عليهم بتلك الأحكام لتبين له أن الدوافع الحقيقية لإعدام معظم من اتهم بالزندقة، ابتداء من إعدام الجعد بن درهم، وغيلان الدمشقي مرورًا بابن المقفع وأحمد بن نصر الخراعي .. وحتى عصر المؤلف كانت دوافعها سياسية أكثر منها دينية (١).

٢ - أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه الشوكاني في هذا الكتاب، فمتعلق بالشروط أو المواصفات الأساسية التي ينبغي توفرها في طالب العلم: يرى الشوكاني أن الشرط الأساسي في المتعلم أن يكون من ذوي


(١) توصل سلف الشوكاني العلامة محمد بن إسماعيل الأمير (ت ١١٨٢ هـ) إلى جانب من هذه النتيجة في ردّه على محمد بن عبد الوهاب، الذي اتخذ من حادثه قتل خالد القسري للجعد بن درهم دليلًا على مسلكه في قتل المخالفين لدعوته، واعتبر سكوت بقية الصحابة والتابعين على هذه الحادثة إجماعًا منهم على قتل صاحب البدعة .. إلخ فيقول ابن الأمير عن الصراع الدائر بين عبد الملك بن مروان، وابن الزبير والمختار بن عبيد إن هؤلاء أقوام طلاب ملك ودنيا لا يستدل بأفعالهم عاقل .. بل هؤلاء أقوام يسفكون الدماء بطلب الملك فأفعالهم دولية لا دليلية (أي سياسية لا دينية) وقتل الجعد بن درهم عمل من أعمال الطغيان والاستبداد لم يستشر قاتله أحدًا من العلماء .. فكيف يُدعى الإجماع على قتله.
انظر: محمد بن إسماعيل الأمير/ النشر الندي بحقيقة محمد بن عبد الوهاب النجدي، ضمن مجموع رسائل ابن الأمير (مخطوط) ق ٢٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>