وهذه الهفوة من المؤلف، يمكن إرجاعها - كسابقتها - إلى التقليد والانسياق وراء العواطف .. فموقف الشوكاني من هذه الفئة الاجتماعية ونظرته إليها مستمدة من النظرة الاجتماعية السائدة في عصره: إذ كانت النظرة الاجتماعية آنذاك - وما تزال بعض رواسبها قائمة حتى الآن - إلى أصحاب الحرف والمهن اليدوية والإنتاجية، نظرة دونية، ويتم تصنيفهم ضمن الطبقات والفئات الدنيا في المجتمع، وكانت التقاليد الاجتماعية، تقضي بوجوب توارث الأبناء لتلك الحرف عن الآباء كما يرثون عنهم نفس الوضع والمكانة الاجتماعية.
ويبدو أن اشتراك بعض المتعلمين من هذه الفئة الاجتماعية في الحملات المتكررة التي شنها عليه المقلدون والمتعصبون، قد أسهم في تعزيز وجهة نظر المؤلف السيئة نحو هذه الفئة.
وإثبات خطأ وجهة نظر المؤلف في هذه المسألة لا يحتاج إلى المزيد من الأدلة، فقد بيّن الشوكاني نفسه في ثنايا هذا الكتاب، عدم التلازم بين العملية التعليمية والوضع الاجتماعي للمتعلم، كما وضح كذلك العوامل المؤثرة في التعليم:
فهو يرى أن المعارف ليست حكرًا على طبقة أو فئة من الناس مهما علت منزلتها، ولا يقتصر فهمها واستيعابها على أبناء جيل دون جيل، بل هي متاحة لكل من أقبل عليها فلا مدخل في العلم لعصبية ولا مجال عنده لحمية (انظر ص ٨٤، ١٦٤) كما أكّد على أن الاختلاف بين الناس في مدى استفادتهم من العلم والتعليم إنما يرجع إلى اختلافهم في القدرات والميول والمواهب والاستعدادات الفطرية (الذكاء) وليس بحسب اختلاف أنسابهم: "ويختلف الانتفاع بالعلوم، باختلاف القرايح والفهوم فقد ينتفع من هو كامل الذكاء