للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بهذا وأخبر به الله عنهم كما في غير موضع من الكتاب العزيز ومن السنّة المطهَّرة وكما وقفنا عليه في التوراة والإنجيل والزبور مكررًا في كل واحد منها وإذا كان هذا حال الرسل عليهم الصلاة والسلام في التعبد بالأحكام (١). الشرعية والتوقف في التبليغ على ما أمرهم الله تعالى بتبليغه، فلا يُشرِّعون لعباده (٢) إلا ما أذن لهم الله به وأمرهم بإبلاغه وليس لهم من الأمر شيء إلّا مجرّد البلاغ عن الله والتوسط بينه وبين عباده فيما شرعه لهم وتعبّدهم به كما هو معنى الرسول والرسالة لغةً وشرعًا عند من يعرف علم اللغة ومصطلح أهل الشرع، ولا ينافي هذا وقوع الخلاف بين أئمة الأصول في إثبات اجتهاد الأنبياء ونفيه فإن الخلاف المحرر في هذه المسألة لفظي عند من أنصف وحقق فكيف بحال غيرهم من عباد الله ممن ليس هو من أهل الرسالة ولا جعله الله من أهل العصمة كالصحابة فالتابعين فتابعيهم من أئمة المذاهب فسائر حملة العلم، فإن من زعم أن لواحد من هؤلاء أن يحدث في شرع الله ما لم يكن فيه أو يتعبّد عباد الله بما هو خارج عن ما هو منه فقد أعظم على الله الفرية وتقوّل على الله تعالى بما لم يقل وأوقع نفسه، في هوة لا ينجو منها وطرحها في مطرح سوء ووضعها في موضع شرّ ونادى على نفسه بالجهل والجرأة على الله تعالى والمخالفة لما جاءت به الشرائع وما أجمع عليه أهلها فإن هذه رتبة لم تكن إلّا لله ومنزلة لا ينزلها غيره ولا يدّعيها سواه، فمن أدعاها لغيره تصريحًا أو تلويحًا فقد أدخل نفسه، في باب من أبواب الشرك، وكان ذلك هو الفائدة التي استفادها من طلبه والربح الذي ربحه من تعبه ونصبه وصار اشتغاله بالعلم جنايةً عليه ومحنةً له ومصيبةً أصاب بها نفسه، وبليّة قادها إليها، ومعصية كان عنها بالجهل وعدم الطلب في راحة. وهكذا من لم يحسن لنفسه الاختيار ولا سلك فيها مسالك الأبرار


(١) في (ب) بالأوامر.
(٢) في (ب) للناس.

<<  <   >  >>