ولا اقتدى بمن أمر الله الإقتداء به من أهل العلم الذين جعلهم محلًا لذلك ومرجعة.
فإذا تقرر لك هذا وعلمت بما فيه من الضرر العظيم الذي يمحق بركة العلم ويشوّه وجهه ويصيّره بعد أن كان من العبادات التي لا تشبهها طاعة ولا تماثلها قربة، معصيةً محضة، وخطيئة خالصة، تبيّن لك نفع ما أرشدتك إليه من تحري الإيمان، الذي من أعظم أركانه وأهم ما يحصّله لك أن تكون منصفًا غير متعصّب في شيء من هذه الشريعة فإنها وديعة الله عندك وأمانته لديك فلا تخنها وتمحق بركتها بالتعصب لعالم من علماء الإسلام بأن تجعل ما يصدر عنه من الرأي ويروي له من الاجتهاد حجة عليك وعلى سائر العباد فإنك إن فعلت ذلك، كنت قد جعلته شارعًا لا متشرعًا ومكلِّفًا ولا مكلَّفًا ومتعبَّدًا ولا متعبِّدًا وفي هذا من الخطر عليك والوبال لك ما قدّمناه فإنه وإن فضلك بنوع من أنواع العلم وفاق عليك بمدرك من مدارك الفهم فهو لم يخرج بذلك عن كونه محكومًا عليه متعبَّدًا بما أنت متعبّد به فضلًا عن أن يرتفع عن هذه الدرجة إلى درجة يكون رأيه فيها حجة على العباد واجتهاده لديها لازمًا لهم، بل الواجب عليك أن تعترف له بالسبق وتقرّ له بعلو الدرجة اللائقة به في العلم معتقدًا أن ذلك الاجتهاد الذي اجتهده والاختيار الذي اختاره لنفسه بعد إحاطته بما لا بدّ منه هو الذي لا يجب عليه غيره، ولا يلزمه سواه لما ثبت في الصحيح عنه ﵌ من طرق أنه "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر"(١) وفي
(١) رواه البخاري ومسلم: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ٢/ ١٩٥ (رقم ١١١٨)، أحمد ٢/ ١٨٧؛ الدراقطني ٢/ ٢١٨، ٤/ ٢١١، ابن كثير في التفسير ٤/ ٣٨٠، البيهقي ١٠/ ١١٨ - ١١٩؛ والنسائي ٨/ ٢٢٤ بلفظ: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب .. ، ابن ماجة (٢٣١٤).