اتّباع قوله دون أقوالهم لازمًا؟ فقال: إصنع كما يصنع الناس فإذا فتح الله عليك فستعرف ما يأخذ به وما يترك. فسألت الله عند ذلك أن يفتح عليَّ من معارفه ما يتميز لي به الراجح من المرجوح وكان هذا في أول بحث نظرته وأول موضع درسته وقعدت فيه بين يدي العلم فاعتبر بهذا ولا تستبعد ما أرشدتك إليه فتحرم بركة العلم وتمحق فائدته.
ثم ما زلت بعد ذلك كما وصفت لك، انظر في مسائل الخلاف وأدرسها على الشيوخ ولا أعتقد ما يعتقده أهل التقليد من حقية بعضها بمجرد الإلف والعادة والاعتقاد الفاسد والاقتداء بمن لا يُقتدى به، بل أسائل من عنده علم بالأدلة عن الراجح وأبحث في كتب الأدلة عن كل ما له تعلق بذلك وأستروح إليه وأتعلل به مع الجد في الطلب واستغراق الأوقات في التعلّم خصوصًا علوم الاجتهاد وما يلتحق بها فإني نشطت إليها نشاطًا زايدًا لما كنت أتصوره من الانتفاع بها حتى فتح الله بما فتح ومنح ما منح فله الحمد كثيرًا حمدًا لا يحاط به ولا يمكن الوقوف على كنهه.
فإذا وطنّتَ نفسك أيها الطالب على الإنصاف وعدم التعصب لمذهب من المذاهب ولا لعالم من العلماء بل جعلتَ الناس جميعًا بمنزلة واحدة في كونهم منتمين إلى الشريعة محكومًا عليهم بها لا يجدوا لأنفسهم عنها مخرجًا ولا يستطيعون متحولًا فضلًا عن أن يرتقوا إلى (ما هو فوق ذلك من كونه يجب على أحد من الأمة العمل على رأي)(١) واحد منهم أو يلزمه تقليده وقبول قوله فقد فزت بأعظم فوائد العلم وربحت بأنفس فرائده، ولأمر ما جعل ﵌ المنصف أعلم الناس وإن كان مقصرًا فإنه أخرج الحاكم في المستدرك وصححه مرفوعًا "أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا