مجالس المناظرة ويفتون تارة بسفك دمه وتارةً بتشريده وتارةً باعتقاله. فنشر الله من فوائده ما لم ينشر بعضه لأحد من معاصريه، وترجَمه أعداؤه فضلًا عن أصدقائه بتراجم لم يتيسر لهم مثلها ولا ما يقارُبها لأحد من الذين يتعصبون لهم ويدأبون في نشر فضائلهم ويطرؤون في إطرائهم، وجعل الله له من ارتفاع الصيت وبُعد الشهرة ما لم يكن لأحد من أهل عصره، حتى اختلف من جاء بعد عصره في شأنه واشتغلوا بأمره، فعاداه قوم وخالفهم آخرون، والكل معترفون بقدره معظمون له خاضعون لعلومه واشتهر هذا بينهم غاية الاشتهار حتى ذكره المترجمون لهم في تراجمهم فيقولون وكان من المائلين إلى ابن تيمية أو المائلين عنه.
وهذه الإشارة إنما هي لقصد الإيضاح لك لتعلم بما يصنعه الله لعباده وعلماء دينه وحملة حجته. وفي كل عصر من هذا الجنس من تقوم به الحجة على العباد.
وانظر في أهل قطرنا فإنه لا يخفى عليك حالهم إن كنت ممن له إطلاع على أخبار الناس، وبحث عن أحوالهم، كالسيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير (١) فإنه قام داعيًا إلى الدليل في ديارنا هذه في وقت غربة وزمان ميل من الناس إلى التقليد وإعراض عن العمل بالبرهان فناله من أهل عصره من المحن ما اشتملت عليه مصنفاته، حتى ترسل عليه من ترسل من مشائخه برسالة حاصلها الإنكار عليه لما هو فيه من العمل بالدليل وطرح التقليد، وقام عليه كثير من الناس وثلبوه بالنظم والنثر ولم يضيرهُ ذلك شيئًا، بل نشر الله من علومه وأظهر من معارفه ما طار كل مطار.
ثم جاء بعده - مع طول فصل وبعُد عهد - السيد العلامة الحسن بن
(١) من مشاهير علماء اليمن (ت ٨٤٠ هـ)، انظر ترجمته في البدر الطالع للشوكاني ٢/ ٨١ - ٩٣.