عن القائمين بالحجة في عباده، ولم تكن لي إذ ذاك مداخلة لأحد من أرباب الدولة ولا اتصال بهم (١)، واشتد لهج الناس بهذه القضية وجعلوها حديثهم في مجامعهم، وكان من بيني وبينهم مودّة يشيرون عليّ بالفرار أو الاستتار، وأجمع رأيهم على أني إذا لم أساعدهم على أحد الأمرين فلا أعود إلى مجالس التدريس التي كانت أدرّس بها في جامع صنعاء، فنظرت ما عند تلامذتي فوجدت أنفسهم قوية، ورغبتهم في التدريس شديدة، إلّا القليل منهم فقد كادوا يستترون من الخوف، ويفرون من الفزع، فلم أجد لي رخصةً في البعد عن مجالس التدريس، وعدت وكان أول درس عاودته عند وصولي إلى الجامع في أصول الفقه بين العشائين، فانقلب من بالجامع وتركوا ما هم فيه من الدرس والتدريس ووقفوا ينظرون إليَّ متعجبين من الإقدام على ذلك، لما قد تقدر عندهم من عظم الأمر، وكثرة التهويل، والوعيد والترهيب حتى ظنوا أنه لا يمكن البقاء في صنعاء فضلًا عن المعاودة للتدريس، ثم وصل وأنا في حال ذلك الدرس جماعة لم تجرِ لهم عادة بالوصول إلى الجامع وهم متلفعون بثيابهم لا يُعرفون وكانوا ينظرون إليّ ويقفون قليلًا ثم يذهبون ويأتي آخرون حتى لم يبقَ شك مع أحد أنها إن لم تحصل منهم فتنة في الحال وقعت مع خروجي من الجامع، فخرجت من الجامع وهم واقفون على مواضع من طريقي، فما سمعت من أحدهم كلمة فضلًا عن غير ذلك، وعاودت الدروس كلها وتكاثر الطلبة المتميزون زيادة على ما كانوا عليه في كل فن وقد كانوا ظنوا أنه لا يستطيع أحد أن يقف بين يدي مخافةً على أنفسهم من الدولة والعامة، فكان الأمر على خلاف ما أظنه وكنت أتعجب من ذلك وأقول في نفسي: هذا من صنع الله الحسن،
(١) كان المؤلف قبل توليه القضاء عام ١٢٠٩ هـ، متفرغًا للعلم تفرغًا تامًّا، مبتعدًا عن رجال السياسة، انظر: البدر الطالع ٢/ ٢٢٤.