وثلاثمائة وألف، وصار عضواً في مجلس مالية الدولة، وقاضياً في محكمة الاستئناف، ومكث أربع
سنين في مناصبه العالية، حتى أحيل إلى المعاش سنة ثماني عشرة وثلاثمائة وألف، واعتزل في بيته
عاكفاً على المطالعة والتأليف والترجمة والتصنيف، مع قناعة وانجماع عن الناس، واشتغال بالمفيد
النافع والصالح الباقي، وقضى في ذلك مدة اثنتي عشرة سنة، ثم شد الرحل إلى المدينة المنورة
مهاجراً إليها في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف، وزار دمشق والقدس، ثم ألقى العصا بطيبة
الطابة، وطابت له الإقامة هناك، حتى اضطر إلى العودة إلى الهند لمرض زوجه وإلحاحها على
الرجوع، فرجع إلى حيدر آباد، ونشبت الحرب العالمية الأولى، فاضطر إلى الإقامة، ومكث في وقار
آباد حتى وافاه الأجل المحتوم.
كان الشيخ وحيد الزمان من كبار مؤلفي عصره ترجمة وتصنيفاً، وأكثر كتبه تراجم لكتب الحديث،
وكان عالماً متفنناً، راسخ القدم في علم اللغة والحديث والتفسير والفقه والأصول، غزير التأليف،
سريع الكتابة، مقتدراً على الترجمة، نهماً بمطالعة الكتب، مديم الاشتغال بالكتابة والتحرير، قوي
الحفظ سريع الإدراك، مع استغناء وعزة نفس، وعدم تملق للرؤساء والأمراء، وكان فيه تسرع قد
يندم عليه وتقلب في الآراء، كان شديداً في التقليد في بداية أمره، ثم رفضه وتحرر واختار مذهب
أهل الحديث مع شذوذ عنهم في بعض المسائل، وكان يجمع بين الصلاتين باستمرار لعلل اعترته،
وكان كثير الاعتناء بصحته، مواظباً على الرياضة البدنية، وكان عالي الهمة، مجتهداً في العلم
والتأليف، يقضي نهاره في الكتابة من غير ملل أو كلال، حفظ القرآن في شبابه في سنة وستة أشهر،
وداوم على تلاوته، ودرس اللغة الإنكليزية في كبر سنه، وحصلت له مشاركة فيها، وكان يرى
تطوير المنهاج الدراسي القديم، وقد قام برحلة لإقناع العلماء بذلك، ولما قامت ندوة العلماء وتأسست
دار العلوم في لكهنؤ أيدها، وحث الوزير على إعانتها، وكانت عنده دماثة خلق ورقة قلب وتواضع،
واعتراف بمواضع النقص والضعف في طبيعته وحياته، يحاسب نفسه وينصف منها، وكان كثير
الإجلال لشيخه مولانا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي، يحبه ويكثر ذكره.
وكان مائلاً إلى الطول، واسع الجبهة والعينين، أقنى الأنف، أسيل الوجه، أزج الحاجبين، دقيق
العنق طويله، رقيق الشفتين، مستدير اللحية.
وكان مع اشتغاله بمهمات الخدمة يشتغل بالتصنيف، فصنف كتباً كثيرة، منها نور الهداية شرح
شرح الوقاية بالأردو، وأحسن الفوائد في تخريج أحاديث شرح العقائد، وإشراق الأبصار في تخريج
أحاديث نور الأنوار، والانتهاء في الاستواء، وتفسير القرآن الكريم بالأردو وهو المسمى بالوحيدي،
وتبويب القرآن لضبط مضلعين القرآن بالأردو، وشرح مؤطأ الإمام مالك بالأردو، وتسهيل القاري
شرح صحيح البخاري بالأردو، وشرح صحيح مسلم بالأردو ورفع العجاجة شرح سنن ابن ماجه
بالأردو، وشرح سنن النسائي بالأردو، وكنز الحقائق من فق خير الخلائق، وهدية المهدي من الفقه
المحمدي، وإصلاح الهداية في فقه الحديث، ونزل الأبرار من فقه النبي المختار، وعلامات الموت
في الطب، وحاشية على حاشية مير زاهد على شرح المواقف في الكلام، وأوراد وحيدي، وتذكرة
وحيدي، وله غير ذلك من الرسائل، ومن أحسن كتبه وحيد اللغات في غريب الحديث ومفرداته، وهو
كتاب جليل جم الفوائد في ثمانية وعشرين مجلداً بالقطع الكبير.
مات لأربع بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف في آصف نكر، ونقل إلى وقار آباد
ودفن في التربة التي هيأها، وقد ترجم نفسه في كتابه تذكرة الوحيد وكتب له تلميذه المرزا محمد
حسن اللكهنوي ترجمة ضافية.
المولوي وصي أحمد السورتي
الشيخ العالم الفقيه وصي أحمد الحنفي السورتي ثم الكانبوري، أحد العلماء المشهورين في الفقه
والكلام، ولد بسورت، ودخل كانبور في صباه فقرأ