للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنبر قام السلطان إليه وعانقه وأركبه على فيل وضربت له سراجة من الحرير

الملون وصيوانها من الحرير وخباؤها أيضاً كذلك، فجلس الواعظ فيها وكان بجانبها أواني

الذهب أعطاه السلطان إياها، وذلك تنور كبير بحيث يسمع في جوفه الرجل القاعد وقدران

وصحاف، كل ذلك من الذهب، وقد كان أعطاه عند قدومه مائة ألف دينار،

ومن ذلك أنه وفد عليه غياث الدين محمد بن عبد القاهر بن يوسف ابن عبد العزيز بن

الخليفة المستنصر بالله العباسي، فلما وصل إلى بلاد السند بعث السلطان من يستقبله،

ولما وصل إلى سرستي بعث لإستقباله القاضي كمال الدين الهانسوي وجماعة من الفقهاء،

ثم بعث الأمراء لاستقباله، فلما وصل إلى خارج الحضرة خرج بنفسه واستقبله، ولما دخل

دار الملك أنزله بدار الخلافة سيرى في القصر الذي بناءه السلطان علاء الدين الخلجي.

وأعد له فيه جميع ما يحتاج إليه من أواني الذهب والفضة حتى من جملتها مغتسل يغتسل

فيه من ذهب، وبعث له أربعمائة ألف دينار لغسل رأسه على العادة وبعث له جملة من

الفتيان والخدم والجواري، وعين لنفقته كل يوم ثلاثمائة دينار وبعث له زيادة إليها عدداً من

الموائد بالطعام الخاص، وأعطاه جميع مدينة سيرى أقطاعاً وجميع ما احتوت عليه من الدور

وما يتصل بها من بساتين المخزن وأرضه، وأعطاه مائة قرية، وأعطاه حكم البلاد الشرقية

المضافة لدهلي، وأعطاه ثلاثين بغلة بالسروج المذهبة ويكون علفها من المخزن.

ومما يحكي من تواضع السلطان وإنصافه أنه ادعى عليه رجل من كبار الوثنيين أنه قتل

أخاه من غير موجب ودعاه إلى القاضي، فمضى على قدميه ولا سلاح معه إلى مجلس

القاضي، فسلم وخدم وكان قد أمر القاضي قبل أنه إذا جاءه إلى مجلسه فلا يقوم له ولا

يتحرك، فصعد إلى المجلس ووقف بين يدي القاضي، فحكم عليه أن يرضى خصمه من دم

أخيه، فأرضاه.

ومن ذلك أنه ادعى صبي من أبناء الملوك عليه أنه ضربه من غير موجب ورفعه إلى

القاضي، فتوجه الحكم عليه بأن يرضيه بالمال إن قبل ذلك وإلا أمكنه القصاص، فعاد

لمجلسه واستحضر الصبي وأعطاه عصا وقال: وحق رأسي أن تضربني! فأخذ الصبي

العصا وضربه بها إحدى وعشرين ضربة، وذلك مما شاهده ابن بطوطة، وإني رأيت الكلاه

قد طارت عن رأسه.

ومما يحكي في اشتداده في إقامة الشرع ورفع المغارم والمظالم أنه كان شديداً في إقامة الصلاة

آمراً بملازمتها في الجماعات، يعاقب على تركها أشد العقاب، ولقد قتل في يوم واحد تسعة

رجال على تركها كان أحدهم مغنياً، وكان يبعث الرجال الموكلين بذلك إلى الأسواق، فمن

وجد بها عند إقامة الصلاة عوقب حتى انتهى إلى عقاب الستائرين الذين يمسكون دواب

الخدام إذا ضيعوا الصلاة وأمر أن يطالب الناس بعلم فرائض الوضوء والصلاة وشروط

الإسلام، فكانوا يسألون عن ذلك، فمن لم يحسنه عوقب، وصار الناس يتدارسون ذلك

ويكتبونه، ومما قيل في ذلك إنه أمر أخاه أن يكون قعوده مع قاضي القضاة في قبة مرتفعة

مفروشة بالبسط، فمن كان له حق على أحد من كبار الأمراء وامتنع من أدائه لصاحبه

يحضره رجال أخيه عند القاضي لينصفه.

ومما فعل ذلك أنه أمر برفع المكوس عن بلاده، وأن لا يؤخذ من الناس إلا الزكاة والعشر

خاصة، وصار يجلس بنفسه للنظر في المظالم في كل يوم اثنين وخميس، ولا يقوم بين يديه في

ذلك اليوم إلا أمير حاجب وخاص حاجب وسيد الحجاب وشرف الحجاب لا غير، ولا

يمنع أحد ممن أراد الشكوى من المثول بين يديه، وعين أربعة من الأمراء الكبار يجلسون في

الأبواب الأربعة لأخذ القصص من المشتكين، فإن أخذ الأول فحسن وإلا أخذه الثاني أو

الثالث أو الرابع، وإن لم يأخذوه مضى إلى قاضي المماليك، فإن أخذه منه وإلا شكا إلى

السلطان، فإن صح عنده أنه مضى إلى أحد منهم فلم يأخذه منه أدبه وكل ما يجتمع من

القصص في سائر الأيام يطالعه بعد العشاء الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>