حاله وأمره، فقطن بها خمساً وعشرين سنة، وعاد إلى مكة شرفها الله
تعالى، فأنكر تقلب أمورها فانتقل منها إلى فارس، ولم يتم له فيها مرامه فرجع إلى الهند، ولم يزل
بها حتى دعاه أجله فلبى، وقضى من الحياة نحباً، ومن رقيق شعره قوله:
ما شمت برقاً سرى في جنح معتكر إلا تذكرت برق المبسم العطر
ولا صبوت إلى خل أسامره إلا بكيت زمان اللهو والسمر
شلت يد للنوى ما كان ضائرها لو غادرتنا نقضي العيش بالوطر
في خلسة من ليال الوصل مسرعة كأنما هي بين الوهن والسحر
لا نرقب النجم من فقد النديم ولا نستعجل الخطو من خوف ولا حذر
وأهيف القد ساقينا براحته كأنه صنم في هيكل البشر
منعمين وشمل الأنس منتظم يربو على نظم عقد فاخر الدرر
فما انتهينا لأمر قد ألم بنا إلا وبدل ذاك الصفو بالكدر
لا در در زمان راح مختلسا من بيننا قمراً ناهيك من قمر
غزال إنس تحلى في حلى بشر وبدر حسن تجلى في دجى شعر
وغصن بان تثنى في نقا كفل لا غصن بان تثنى في نقا مدر
كأن ليلي نهار بعد فرقته بما أقاسي به من شدة السهر
يا ليت شعري هل حالت محاسنه وهل تغير ما باللحظ من حور
فإن تكن في جنان الخلد مبتهجا فاذكر معنى الأماني ضائع النظر
وإن تأنست بالحور الحسان فلا تنس الليالي التي سرت مع القصر
وقوله:
كيف أسلو من مهجتي في يديه وفؤادي وإن رحلت إليه
إن طلبت الشفاء من شفتيه جاد لي بالسقام من جفنيه
إن حلف السهاد عين رأته وجنت ورد جنتي خديه
كلما رمت سلوة قال قلبي لا تلمني في ذا العكوف عليه
لست وحدي متيماً في هواه كل أهل الغرام تصبو إليه
وله مقاطيع سماها لآلي الجوهري وله غير ذلك، وكانت وفاته ليلة الأربعاء لثمان بقين من جمادي
الأخرى سنة تسع وستين وألف بأرض الهند، كما في خلاصة الأثر.
الشيخ أحمد بن محمد المعصوم الشيرازي
الشيخ الفاضل أحمد بن محمد المعصوم بن نصير الدين بن إبراهيم الشيعي الدستكي الشيرازي، والد
علي المعصوم صاحب سلافة العصر المشهور بنظام الدين أحمد، ولد ليلة الجمعة خامس عشر شعبان
سنة سبع وعشرين وألف بالطائف، وحفظ القرآن وتلا بالسبع، وأخذ الفقه عن شرف الدين البافقي،
والحديث عن السيد نور الدين الشامي، والعربية عن علي المكي، والمعقول عن شمس الدين
الكيلاني، وبرع في الفنون سيما العربية، واعتنى بالأدب فنظم نظماً جيداً، وقدم الهند سنة ثلاث
وخمسين وألف فأملكه عبد الله قطب شاه الحيدر آبادي ابنته فامتد باعه في الدنيا، وخدمته الشعراء
بالمدائح، وقد انتهت إليه بسبب القربة إلى