مِثْلُهُ: («رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا»، وَ «مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو»، وَ «زَيْدٌ لَمْ يَقُمْ وَلَمْ يَقْعُدْ»).
(بَابُ التَّوْكِيدِ)
(التَّوْكِيدُ) - أَيِ المُؤَكِّدُ -: هُوَ التَّابِعُ الَّذِي يُثَبِّتُ المَعْنَى الظَّاهِرَ لِمَتْبُوعِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ السَّامِعُ، وَهُوَ (تَابِعٌ لِلْمُؤَكَّدِ) أَيْ مَتْبُوعِهِ (في رَفْعِهِ وَنَصْبِهِ وَخَفْضِهِ، وَتَعْرِيفِهِ)، وَلَمْ يَقُلْ: «وَجَزْمِهِ» لأَنَّ الجَزْمَ خَاصٌّ بِالأَفْعَالِ، وَلَا تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ البَابِ، وَلَمْ يَقُلْ أَيْضًا: «وَتَنْكِيرِهِ»، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
(وَيَكُونُ) التَّوْكِيدُ (بِأَلْفَاظٍ مَعْلُومَةٍ) أَيْ مَخْصُوصَةٍ، (وَهِيَ: النَّفْسُ، وَالعَيْنُ، وَ «كُلُّ»، وَ «أَجْمَعُ»، وَتَوابِعُ «أجْمَعَ»، وَهِيَ: «أَكْتَعُ»، وَ «أَبْتَعُ»، وَ «أَبْصَعُ»، تَقُولُ: «قَامَ زَيْدٌ نَفْسُهُ»)، فَـ «نَفْسُهُ» تَوْكِيدٌ لِـ «زَيْدٌ»، أَلَا تَرَى أَنَّ كَلِمَةَ «نَفْسُهُ» دَلَّتْ عَلَى أَنَّ زَيْدًا هُوَ الَّذِي قَامَ وَلَيْسَ غَيْرُهُ؟ (وَ) مِثْلُهُ: («رَأَيْتُ القَوْمَ كُلَّهُمْ»، وَ «مَرَرْتُ بِالقَوْمِ أَجْمَعِينَ»)، فَـ «أَجْمَعِينَ» تَوْكِيدٌ لِـ «القَوْمِ»، أَلَا تَرَى أَنَّ كَلِمَةَ «أَجْمَعِينَ» دَلَّتْ عَلَى أَنَّ المُتَكَلِّمَ مَرَّ بِالقَوْمِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ أَحَدًا؟ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الأَلْفَاظِ مَا يَتَصَرَّفُ مِنْهَا مِنْ تَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ وَتَذْكِيرٍ وَتَأْنِيثٍ، وَكُلٌّ لَهُ أَحْكَامُهُ، وَبَسْطُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الشَّرْحِ المُخْتَصَرِ.
وَأَمَّا تَوَابعُ «أَجْمَعَ» - وَهِيَ: «أَكْتَعُ» وَ «أَبْتَعُ» وَ «أَبْصَعُ» -، فَتَأَتِي لِزِيَادَةِ التَّوَكِيدِ وَلَا تَسْتَقِلُّ بِهِ؛ فَتُذْكَرُ تَبَعًا لِـ «أَجْمَعَ»، فَتَقُولُ: «جَاءَ القَوْمُ أَجْمَعُونَ أَكْتَعُونَ أَبْتَعُونَ أَبْصَعُونَ».
وَيَجُوزُ تَوْكِيدُ التَّوْكِيدِ بِأَنْ يُؤْتَى بَعْدَ «كُلِّ» بِـ «أَجْمَعَ»، نَحْوُ: «جَاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ».
وَقَوْلُ المُصَنِّفِ: «وَتَعْرِيفِهِ» دُونَ قَوْلِهِ أَيْضًا: «وَتَنْكِيرِهِ»: هُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيدُ النَّكِرَةِ مُطْلَقًا، نَحْوُ: «صُمْتُ شَهْرًا كُلَّهُ»، وَمِنْهُمْ جَوَّزَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute