للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقول: إن الترمذي ومن معه من الأئمة الأعلام كالبخاري والحاكم وابن المديني والذهلي وغيرهم ممن صحح وصل هذا الحديث قد علموا أن شعبة والثوري أحفظ من هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث، وهذا قد صرح به الترمذي نفسه في جامعه (١) لكن شريك وإسرائيل هما من اثبت أصحاب أبي إسحاق بعد شعبة والثوري (٢) .

فهؤلاء الحفاظ النقاد الذين لا شك في صدقهم وأمانتهم على الدين، لما صحوا هذا الحديث لم يكن بناء على ظاهر الإسناد وأحوال الرواة لأن الثقة قد يخطئ كما أن الضعيف قد يصيب فكيف لو كانوا عشرة أو أكثر فيهم الثقات والضعفاء وسمعوا في مجالس متعددة وأوقات مختلفة. نعم منهم من روى عن أبي إسحاق بعد الاختلاط والتغير ولكن اتفاقهم على وصل هذا الحديث مع كثرة عددهم وأخذهم في أوقات ومجالس متعددة مما يدل على أن أبا إسحاق كان يروي هذا الحديث موصولاً، ويمكن أن يكون أرسله أحياناً فسمعه منه شعبة وسفيان فروياه كما سمعاه، فيكون الحكم لمن أوصله، وهو العلم والعدل، وليس هو التعصب والهوى.

ثم قال: "وقد أراح البخاري ومسلم نفسيهما وأراحا الناس بعدم ذكر مثل هذا الحديث في كتابيهما" (٣) .

نعم لم يذكر البخاري هذا الحديث في كتابه مسنداً ولكن ترجم لما يدل عليه صراحة فقال في كتاب النكاح: "باب من قال لا نكاح إلا بولي" وذكر فيه آيات وأحاديث تدل على اشتراط الولي في النكاح، قال الحافظ – رحمه الله – في شرحه لهذه الترجمة:

"استنبط المصنف هذا الحكم من الآيات والأحاديث التي ساقها لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة ليس على شرطه" (٤) .


(١) الجامع: ج٢ ص١٥٦ (مع التحفة) .
(٢) العلل الكبير ص١٥٦.
(٣) العلل الكبير (الحاشية) ص١٥٧.
(٤) الفتح: ج٩ ص٩٨.

<<  <   >  >>