للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" وكأن البخاري خشي من الطعن في رواية سعيد بن أبي عروبة، أشار إلى ثبوتها بإشارات خفية كعادته، فإنه أخرجه من رواية يزيد بن زريع وهو من أثبت الناس فيه وسمع منه قبل الاختلاط.

ثم استظهر له برواية جرير بن حازم بمتابعته لينفي عنه التفرد.

ثم أشار إلى أن غيرهما تابعهما.

ثم قال: اختصره شعبة، وكأنه جواب على سؤال مقدر وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة، فكيف لم يذكر الاستسعاء (*) فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفاً لأنه أورده مختصراً، وغيره ساقه بتمامه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد" (١) .

والمقصود هنا بيان أن هذا الاختلاف الذي وقع بين أصحاب قتادة: شعبة وهشام من جهة، وسعيد بن أبي عروبة، ومن تابعه من جهة أخرى، ليس سببه الوهم والخطأ المحتمل من أحد الجانبين، وإنما سببه أن بعض الرواة اختصر الحديث فخالف من ساقه بتمامه فلا تكون روايته سبباً في تعليل رواية من ساق الحديث بتمامه، ولو كان الذي اختصره أثبت وأحفظ إن كان اختصاره لا يغير معنى الحديث أي أنه يقتصر على بعضه ويترك بعضه، وأما إذا اختصر الراوي الحديث بحيث يتغير عن المعنى الأصلي، فإنه يكون سبباً لتعليل الرواية المختصرة، وإليك مثلاً من صنيع الإمام البخاري.

قال البخاري – رحمه الله -: "حدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة غلاماً يقاتل في سبيل الله فقال له الملك:


(١) معنى الاستسعاء أ، العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى يحصل قيمة الشريك الآخر. فإذا دفعها إليه عتق. هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء، وقال بعضهم: هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ماله فيه من الرق ولا يكلف ما يشق عليه. وقد اختلف العلماء في مشروعيته. انظر: (الفتح ٥/١٨٩ – ١٩١، وتحفة الأحوذي ٢/٢١٢) .
() الفتح: ج٥ ص١٨٩.

<<  <   >  >>