للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طريق التتبع والاستقراء، وإن لم يكن هذا الاستقراء تاماً فعلى الأقل أن يكون تلخيصياً مبنياً على أكثر من مثال. وأنت ترى أن هذا مثالاً واحداً، وهو غير سالم من الاعتراضات.

الخامسة: ما ذكره الإمام النووي - رحمه الله - مبنياً على القواعد الأصولية حيث استعمل القياس لإثبات هذا الحكم، وهو قياس التائب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكافر إذا أسلم، ومثل له بقبول الأئمة لرواية الصحابة، وقد كانوا كفاراً ثم أسلموا. لكن هذا القياس معترض، بأن الصحابة قد عدلهم القرآن الكريم وشهد بصدق إيمانهم وإسلامهم. وأما التائب من الكذب في حديث رسول الله. فأنى لنا أن نعرف صدق توبته، حتى نحكم بعدالته ونقبل روايته، كما أنه مبني على انعدام الفارق بين الرواية والشهادة، والفارق موجود هنا.

وقد سبق إلى انتقاد النووي في هذا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري فقد قال - بعد أن ساق كلام النووي السابق -:

" كنت أميل إليه، ثم ظهر لي أن الأوجه ما قاله الأئمة لما مر، ويؤيده قول أئمتنا أن الزاني إذا تاب لا يعود محصناً، ولا يحد قاذفه، وأما إجماعهم على صحة رواية من كان كافراً فأسلم، فلنص القرآن على غفران ما سلف. والفرق بين الرواية والشهادة أن الرواية الكذب فيها أغلظ منه في الشهادة لأن متعلقها لازم لكل المكلفين، وفي كل الأعصار كما مر، مع خبر (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد) (١) " (٢) .

وأخيراً لا يمكن أن ننسب للإمام البخاري - رحمه الله - أنه يقبل رواية التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم قيام الأدلة الكافية على


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، عن المغيرة بن شعبة، كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، حديث رقم (١٢٩١) ، ج٣ ص١٩١ مع الفتح ط دار الريان. ورواه مسلم في مقدمة صحيحه ج١ ص١٠ حديث رقم (٤) .
(٢) زكريا الأنصاري: فتح الباقي شرح ألفية العراقي - مطبوع بذيل شرح العراقي لألفيته - طبعة فاس ١٣٥٤هـ، ج١ ص٣٣٥.

<<  <   >  >>