للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ممن لا يحمل نفسه على الكذب في خبره وشهادته، بل يرى إعظام ذلك وتحريمه، والتنزه عنه قبل خبره، وإن ضعفت هذه الحال في نفس العالم واتهمه عندها، وجب عليه ترك العمل بخبره ورد شهادته " (١) .

فالأمر إذن موكول إلى الناقد، فإن أكثر الشخص من الأفعال المخلة بالمروءة وتكرر منه ذلك وأعلن به في الناس كان ذلك دليلاً على السفه وخفة العقل ورقة الدين، وهذا مما يسقط العدالة ويوجب رد الرواية.

وقد ساق الخطيب البغدادي نصوصاً عن الأئمة المتقدمين تدل على هذا منها قول الإمام مالك - رحمه الله -: " لا تأخذ العلم من أربعة، وخذ ممن سوى ذلك، لا تأخذ عن سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس إذ جرب ذلك عليه، وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث " (٢) .

ومما يؤيد ما ذهب إليه الخطيب البغدادي - رحمه الله - من رد خبر فاعلي المباحات إلى العلم - صنيع الأئمة النقاد ومنهم الإمام البخاري - رحمه الله -.

فهذا المنهال بن عمرو تركه شعبة، لما سمع في داره صوت الطنبور (٣) ، وفي رواية أخرى أنه سمع قراءة لحان، فكره السماع منه (٤) . قال ابن القطان: " هذا ليس بجرحه إلا أن يتجاوز إلى حد يحرم، ولم يصح ذلك عنه " (٥) .


(١) الخطيب البغدادي: الكفاية علم الرواية - تحقيق أحمد عمر هاشم - دار الكتاب العربي، ص١٣٩.
(٢) الخطيب البغدادي: الكفاية علم الرواية - تحقيق أحمد عمر هاشم - دار الكتاب العربي، ص١٤٣.
(٣) المصدر نفسه ص١٤٠.
(٤) فتح المغيث: ج١ ص٣٢٩.
(٥) المرجع نفسه ص٣٣٠.

<<  <   >  >>