للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بهم. حتى يمضي عنهم إلى حيث أرادوا. وأمر يزيد. مسلم بن عقبة بذلك.

وقال: إن حدث بك حدث. فحصين بن نمير على الناس. فورد مسلم بن عقبة المدينة. فمنعوه أن يدخلها. ونصبوا له الحرب. ونالوا من يزيد. فأوقع بهم وأنهبها ثلاثا (١). ثم خرج يريد ابن الزبير. وقال: اللهم إنه لم يكن قوم


(١) إباحة المدينة النبوية من قبل الجيش الذي بعثه يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين.
لإخضاعهم بعد أن خلعوا بيعته. وطردوا أميره على المدينة. مما تباينت فيه أقوال المؤرخين. قديما. وحديثا. ودخل بعضه التزيد. وقد ساق الطبري في تاريخه: ٥/ ٤٨٤ - ٤٩٥ خبر الحرة. من طريق هشام الكلبي. عن أبي مخنف. ومن طريق عوانة بن الحكم. وأورد بعضه من طريق الواقدي. بعد ورد في طريق هشام الكلبي. وعوانة. الأمر لقائد الجيش مسلم بن عقبة بإباحة المدينة ثلاثة أيام. إن لم يستجيبوا للطاعة. ونصبوا الحرب. وقد حددت الرواية نوع الإباحة والمقصود بها، … فإذا ظهرت عليهم. فأبحها ثلاثا. فما فيها من مال. أورقة (أي دراهم) أو سلاح. أو طعام. فهو للجند. فإذا مضت الثلاث.
فاكفف عن الناس، الطبري: ٥/ ٤٨٤ وقال في: ٥/ ٤٩١، … وأباح مسلم المدينة ثلاثا. يقتلون الناس. ويأخذون الأموال. فأفزع ذلك من كان بها من الصحابة،.
كما أورد في: ٥/ ٤٩٥ رواية أوثق مما روى أبو مخنف وأصحابه وبسياق آخر.
ولم يصرح فيها بالإباحة. ولكنها مفهومة من السياق. والرواية مختصرة. وهذه الرواية هي التي ذكرها خليفة بن خياط في تاريخه (ص: ٢٣٨)، وهي من طريق وهب بن جرير. عن جويرية بن أسماء. عن أشياخ من أهل المدينة.
والإسناد صحيح إلى جويرية بن أسماء. ولبعض ما تضمنته هذه الرواية من إقحام الجيش الشامي من منازل بني حارثة. شاهد من حديث ابن عباس. أخرجه يعقوب بن سفيان. في تاريخه بإسناد صحيح قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة «ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها» [الأحزاب، آية ١٤] يعني إدخال بني حارثة أهل الشام. على أهل المدينة في وقعة الحرة (انظر: فتح الباري: ١٣/ ٧١).
ومما يدل على وقوع الإباحة ما رواه ابن سعد في الطبقات: ٧/ ق ٢٨ عن يحيى بن عباد قال: حدثنا أبو عقيل بشير بن عقبة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: لما استبيحت المدينة يعني يوم الحرة دخل أبو سعيد الخدري غارا. فدخل عليه رجل من أهل الشام فقال: اخرج. فقال: لا أخرج. وإن تدخل علي أقتلك. فدخل عليه فوضع أبو سعيد السيف وقال: «إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين» … إلخ. وهذا إسناد حسن. وقد حكى وقوع إباحة المدينة أيام الحرة مجموعة من العلماء المحققين من أهل الاستقراء والتتبع مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: ٤/ ٥٧٥.
والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: ٨/ ٢٢٠ والحافظ ابن حجر في مواطن كثيرة من كتبه انظر منها فتح الباري: ١٣/ ٧٠. غير أنه مما ينبغي التنبيه عليه أن هذه الحادثة قد بولغ في وصفها وفي عدد القتلى الذين قتلوا فيها. وأن جنود الجيش وقعوا على النساء. وافتضوا الأبكار. فولدت بعد الحرة ألف امرأة من غير زوج. وأجهز على الجرحى. وقتل المدبر. وجالت الخيل في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وبالت وراثت بين القبر والمنبر. وانقطعت الصلاة في المسجد أربعين يوما. وخلت المدينة من أهلها. وتركت الثمار للعوافي. إلى غير ذلك فهذا أمر لا يحتمل وقوعه. ولا تقبله طبيعة المجتمع. ولا سنن العادة. لا سيما مع قرب العهد بالرسالة. ولم ينقل أن مثل هذا الفعل من انتهاك الأعراض. والإسراف في القتل. وقع مع الكفار. فكيف يتصور وقوعه مع المسلمين. وفي دار النبوة والهجرة؟! والحادثة لا شك أنها كبيرة ومؤسفة وخطأ جسيم. ولذلك أجمع السلف على تسمية مسلم بن عقبة مسرفا. ولكن هذا لا يجعلنا ننفي أصل الحادثة وهو إباحة المدينة بعد توارد الأدلة على ثبوتها. كما فعل بعض المستشرقين. والباحثين المعاصرين. الذين جهلوا السلف الماضين. ونسبوهم إلى ضعف التحقيق العلمي. مع أنهم هم لم يبنوا حكمهم هذا على التتبع والاستقراء. ودراسة كافة النصوص الواردة في الموضوع. وإلا لتبين لهم الحق والواقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>