يتبين أنه ليس من التكليف، إذ التكليف طلب ما فيه كلفة. ومن سماه تكليفا وذهب في ذلك إلى أنه الذي كلفنا اعتقاد إباحته في الشرع، أو أنه الذي اعتقاد كونه من الشرع، فهو مستكره في التسمية. وبالجملة فهذا النظر لغوي وهو أليق بغير هذا الموضع، ومما تقدم أيضا من هذا القول يتبين أن المندوب مأمور به إذ هو طلب ما واقتضاء. فأما من زعم أن الأمر إنما يطلق على ما في تركه عقاب، فهي دعوى لغوية, وعلى مدعيها إثبات ذلك عرفا شرعيا أو وضعا لغويا.
٧٦ /١ مسألة ثالثة: الحرام ضد الواجب
٢٨ - وإذا كان حد المتضادين أنهما اللذان لا يجتمعان في شيء واحد بالعدل في وقت واحد من جهة واحدة، فلا يجوز في الشرع تعلق الحظر والإيجاب بشيء واحد من جهة واحدة في وقت واحد. فأما تعلقهما بشيئين أو في وقتين فذلك ما لا خلاف فيه، ولا يرجع النهي عن أحدهما على الثاني بالفساد، سواء كان ذلك في شيئين أو في زمانين. وكذلك يلزم إذا تعلق النهي والإيجاب بشيء واحد من جهتين مثل أن يرد الأمر بشيء مطلقا، ثم يرد النهي عن ذلك الشيء بعينه مقيدا بصفة أو لعلة مصرح بها. إلا أنهم اختلفوا في مثل هذا الجنس هل يعود النهي بالفساد على الأصل الموجب من جهة ما قيد؟ فزعم أبو حامد رحمه الله أن هذا ينقسم عندهم إلى ما يرجع إلى غير المنهي لسبب من خارج، وإلى ما يرجع إلى صفة في الشيء. فما يرجع إلى غير المنهي فلا يرجع على الأصل بالفساد، وأما الذي يرجع إلى صفة في المنهي عنه فذهب الشافعي إلى أنه يعود على الأصل بالفساد، وحيث أوقع الطلاق في الحيض صرف إلى الأضرار ألحقه بالقسم الأول. وأبو حنيفة لا يرى في الموضعين النهي يعود بفساد الأصل، سواء ورد المنهي عنه مقيدا