١١٥- وقد اختلف في حد النسخ فحده المتكلمون بأنه الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان الحكم ثابتا مع تراخي الخطاب الدال على ارتفاعه. وإنما اشترطوا فيه هذه الفصول لأنهم يجوزون على الله تعالى رفع الحكم في وقت ما بعد الأمر به على التأبيد مثلا , وبالجملة فيجوز عندهم النسخ قبل التمكن من الفعل. وحده آخرون بأنه الخطاب الكاشف عن مدة انقضاء العبادة , اعتقادا منهم أن النسخ إنما يرد مبينا فيما لم يقصد به من أول الأمر عموم جميع الزمان ولا استغراقه. وحده أيضا آخرون بأنه الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت بالنص زائل على وجه لولاه لكان ثابتا. وهذا الحد وإن كان فيه تثبيج , لأنهم جعلوا المرفوع مثل الحكم ولم يجعلوه الحكم نفسه , فإنما اضطرهم إلى ذلك أنهم لا يجوزون على الله تعالى النهي عن الشيء الواحد بعينه بعد الأمر به.
١١٦-وبالجملة فالنظر فيما يجوز من هذا على الله تعالى وما لا يجوز لا يخص الفقيه بما هو فقيه. والذي يكفي الفقيه من هذا أن يسلم أن في الشرع أحكاما رفعت بعد الأمر بها ويعتقد ذلك سواء كان ذلك كشفا عن انقضاء مدة العبادة أو لم يمكن, وإن وقوع مثل هذا شرعا مما ثبت تواترا. وأما تجويز وقوعه عقلا فليس يخصه النظر فيه ولا في جهة جوازه, فلنبدأ من ذلك بالضروري في هذه الصناعة, والقول في ذلك يشتمل على مسائل:
١١٧-إذا نسخ بعض العبادة أو شرط من شروطها أو سنة من سننها هل هو نسخ لأصل العبادة أم لا؟ وهذه المسألة قد اختلفوا فيها, والحق أن رفع البعض رفع للكل, لأن الكل إنما هو كل ببعضه, والعبادة