العمل به شرعا، والتكلم في شروط الناقلين له، والجرح والتعديل، وكيفية نقل الراوي عن مرويه.
الفصل الأول: في جواز العمل بخبر الواحد شرعا
٨١ - أما العمل بأخبار الآحاد فهو جائز عقلا وواقع شرعا.
أما جواز وقوعه شرعا، فإنه غير ممتنع أن ينصب الله تعالى غلبة الظن علامة للحكم، كنصبه سائر الأشياء علامات. وعلى هذا يتصور القضاء بالشهود، والحكم بالفتوى، واستقبال الكعبة إذا لم تعاين. وقد رأى بعضهم أن نصب غلبة الظن علامة للحكم في الشرع واجب عقلا، ولولا ذلك لسقطت أكثر الأحكام عن من لم يشافه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقول أبي حامد إن هذا ليس بقوي لأن لقائل أن يقول تسقط الأحكام في حق من لم يبلغه تواترها كما تسقط في حق من لم يسمع بالشرع ولا تواتر عنده، فليس عندي بمرضي. لأن انظواء الشرع نادر وقليل جدا حتى لا يكاد يقع هذا مع تطاول الزمان، بل باضطرار وقع نقله إلى جميع المعمورة تواترا. وإنما يشبه أن يقع مثل هذا في أول الإسلام، وليس كذلك العمل بأخبار الآحاد، لأنه ليس من ضرورة كل خبر أن ينقل تواترا، فلو اشترط في العمل به التواتر لأدى ذلك إلى تعطيل أكثر الأحكام عن أكثر المكلفين. وبالجملة لو لم يجب القضاء بالشهود والأيمان والحكم بالاجتهاد لما كان سبيل إلى رد المظالم والأخذ بالحقوق. وقد يستدل أيضا على وقوعه شرعا بإجماع الصحابة على العمل به، وتوقفهم في بعض الأخبار إنما كان اجتهادا منهم في طرقها. وإنفاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاة إلى البلاد، وتكليف الناس تصديقهم، مما يقطع (به) على وقوعه شرعا.