وكان الحال ههنا بالعكس في استصحاب البراءة الأصلية لأن هناك كان العدم أظهر فوجب الدليل على المثبت, وههنا الوجود أظهر فوجب الدليل على النافي. وأما من يرى القياس في الشرع فيلزمه ألا يقول بمثل هذا الاستصحاب , لأن له أن يقول نحن مكلفون بالنظر بالقياس فيما ليس فيه نص, وهذا قد تغير وصفه , فله حكم ما لم يرد فيه نص , إذ تغير الوصف يوجب تغير الحكم.
وهنا انقضى القول في الأصل الرابع وهو منتهى الكلام في الجزء الثاني من هذا الكتاب وهو المشتمل على أصول الأدلة.
وقد يظن أن ههنا أصولا غير هذه نحن ذاكروها: منها قول الصحابي يظن به أنه حجة وليس بحجة , لأن من لم تثبت عصمته لم يجز تقليده , فالعصمة إنما تثبت بالمعجزة أو بقول صاحب المعجزة فيه إنه معصوم. وقد تفرق الناس في ذلك على أقوال: فبعضهم خص بذلك بعض الصحابة , وبعضهم رآه في كل صاحب. وبالجملة فالصاحب مجتهد من المجتهدين , لكن النفس أميل إلى أقوالهم لما انضافت إليهم من القرائن , وهي التي أوقعت من رأى أقوالهم حجة في ذلك.
ومنها شرع من قبلنا , والدليل على أنه ليس بأصل أنه لو كان كذلك لكان نقله من فروض الكفايات
... على الأمة أن يذهب عليها في وقت ما فرض من فروض الكفايات بدليل العصمة
(١) لهم, ولو كان فرضا من فروض الكفايات لأخبر به الصحابة ونقل إلى اليوم. فأما ما منها في الكتاب ونحن مأمورون به فإنما نحن مأمورون به من جهة ما هو
(١) كلمة أو كلمتان غير مقروءتين في هذا الاستدراك الذي كتبه الناسخ في هامش الورقة , ولعلها " ويستحيل ".