وكان يُحَج في العام الثامن من الهجرة فحج المسلمون والمشركون فاستعمل على الحج واحدًا من أصحابه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ولي المسلمين فحينئذ أخذ يولي على الحج لكنه ما بادر - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الحج ما فُرض إلا في العام التاسع في قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}.
الأمر الثاني: أن في سنة ثماني للهجرة كان هناك مشركون كثير يحجون وكانت الأمور فيها شيء من الاختلاط بالكفار، وفي سنة تسع للهجرة دانت الجزيرة ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فلما جاءت سنة عشر للهجرة علم الناس أنه سيحج - صلى الله عليه وسلم - هذه السنة، حتى وافى المدينة خلق كثير كما في حديث جابر - وسيأتي إن شاء الله -، ثم بعد ذلك حج حجة الوداع السنة التي ودع فيها الناس - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فالحج كان سنة ست وسبع وثمان، وقبل ذلك كان هناك من يحج بعضه بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في سنة ثمان وتسع، وبعضه لم يكن بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه إن وافق الحق فهو مقبول وإلا فهو مردود.
وأما العمرة فكان مأذونًا لهم قديمًا فيها، ففي صحيح البخاري في باب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من يُقتل في بدر، من أبواب كتاب المغازي، أن سعد بن معاذ اعتمر قبل غزوة بدر وأخبر بمقتل أمية بن خلف ... الخ.
سؤال:(ما الحكمة من إرسال معاذ إلى اليمن وعدم إيراد الصوم والحج مع أنهما من أركان الإسلام)؟
الجواب: هذا الحديث (١) اقتصر على جزء من أركان الإسلام، والمشهور أن بَعْث معاذ إلى اليمن كان متأخرًا سنة عشر قبل حجة الوداع، ونحن نعلم أن السُّنَّة ما جاءت في حديثين أو ثلاثة، وإنما يؤخذ الدين من مجموع الأحاديث، فقد يذكر بعض الأحاديث الصلاة والصيام، ولا يذكر مثلًا الحج،
(١) هذا الحديث هو حديث إرسال معاذ إلى اليمن وهو مشهور، وقد أخرجه البخاري في صحيحه (١٣٣١، ١٣٨٩، ١٤٢٥، ومواضع)، ومسلم (١٩)، وغيرهما من أنهل السنن والمعاجم والمسانيد.