يلهيك»! وهذه حقيقةٌ؛ إذ أكثر المتاع الدنيويِّ بركةً ما أعان على طاعة الله، ونفع العباد والإحسان إليهم، وأمَّا ما ألهى منه عن حقِّ الله وحقوق الخلق، فهو متاعٌ شيطانيٌّ، لا خير فيه، وسيعلم المفرِّطون غبَّ ما جمعوا يوم يسأل الإنسان عن ماله من أين جمعه؟ وفيم أنفقه؟!
ثمَّ ختم وصيَّته لصاحبه فقال:«وأعلم ... أنَّ البرَّ لا يَبلى، وأنَّ الإثم لا يُنسى». وهذه حقيقةٌ، فالبرُّ والإحسان لا يبلى ولا يذهب أثره، بل هو من جنس الكلمة الطيِّبة التي تؤتي أكلها كلَّ حينٍ بإذن ربِّها، وقد ينسى المؤمن إحسانه ونفعه، لكنَّ الله تعالى يحفظ ذلك له، ويبارك له فيه. وفي المقابل، فالإثم- إذا لم يتب منه صاحبه - فإنَّه لا يَبلى، ولا يُمحى من الكتاب، إلا إذا رحم الله تعالى وأذن يوم المحشر.
وهذا المعنى الذي ذكره أبو الدرداء - رضي الله عنه - دلَّت عليه آياتٌ كثيرةٌ، طالما بكى عندها السلف الصالح وخافوا منها؛ كقوله تعالى:{أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المجادلة: ٦]، وكقوله - عز وجل -: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف: ٤٩]، قال التابعيُّ الجليل عون بن عبد الله معلِّقًا على هذه الآية:«ضجَّ والله القوم من الصِّغار قبل الكبار!»(١).
والمقصود أنَّ أرباب البصائر والقلوب الحيَّة عرفوا «أنَّ الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنَّهم سيناقشون في الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذَّرِّ من