للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نبَّه أبو الدرداء إلى بركةٍ من بركات هذه العبادة، وهي: أنَّ ذاكر الله تعالى في السرَّاء سيجد أثر ذلك في الضرَّاء، وهذا ما جملة معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (تعرَّف إلى الله في الرَّخاء، يعرفك في الشِّدَّة) (١).

وثاني هذه الوصايا: «وإذا ذكرت الموتى، فاجعل نفسك كأحدهم»، وهذه الوصيَّة من جملة مئات الوصايا التي كان يوصي بها السلف أصحابهم، وكان أبو الدرداء يقول في بعض مواعظه: «إنَّ من أكثر ذكر الموت، قلَّ حسده وبغيه» (٢)، «وما أكثر عبدٌ ذكر الموت، إلا رأى ذلك في عمله، ولا طال أمل عبدٍ قطُّ، إلا أساء العمل» (٣)؛ ولهذا كان يقول سعيد بن جبيرٍ: «لو فارق ذكر الموت قلبي، خشيت أن يفسد عليَّ قلبي» (٤)، بل قال سفيان الثَّوريُّ رحمه الله مبيِّناً أثر تذكُّر هذه الحقيقة: «لو أنَّ البهائم تعقل من الموت ما تعقلون، ما أكلتم منها سمينًا» (٥).

ومن القصص المشهورة في هذا الباب: قصة دخول أبي العتاهية على هارون الرَّشيد، فلمَّا دخل قال له هارون: عظني بأبيات شعرٍ وأوجز، فأنشده:

لا تأمن الموت في طرفٍ ولا نفس ... ولو تمنَّعت بالحجَّاب والحرس

وأعلم بأنَّ سهام الموت قاصدةٌ ... لكلِّ مدَّرعٍ منَّا ومتَّرس

ترجو النَّجاة ولم تسلك مسالكها ... إنَّ السَّفينة لا تجري على اليبس

فخرَّ هارون مغشيًّا عليه (٦).


(١) قال البوصيريُّ في إتحاف الخيرة المهرة (٧/ ٣٨٣): «... ورواه التِّرمذيُّ مختصرًا وقال: حسنٌ صحيحٌ»، ولفظ الترمذي هنا: الترمذي ح (٢٥١٦).
(٢) الزهد؛ للإمام أحمد (ص ١١٧).
(٣) الزهد؛ للإمام أحمد (ص ٢١٨).
(٤) الزهد؛ للإمام أحمد (ص ٣٠٠).
(٥) حلية الأولياء (٦/ ٣٩٢).
(٦) روضة العقلاء (ص ٢٨٥).

<<  <   >  >>