للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكأنَّه بلسان الحال يقول: يا أمة محمدٍ، إن سقط عرش هذه الدولة، ومكَّنكم الله من أرضهم وديارهم، فاعلموا أنَّكم إن سلكتم سبيلهم، فستحقُّ عليكم السُّنَّة نفسها، وهذا ما حصل بالفعل؛ فلقد رجعت قبرس إلى النَّصارى ثانيةً، لمَّا ضعف المسلمون، وتخلَّوا عن دينهم، فتغلَّب عليهم النصارى، فهل من مُعتبرٍ؟

* * *

• ومن مواعظه - رضي الله عنه - (١):

«تفكُّر ساعةٍ، خيرٌ من قيام ليلةٍ».

كان أبو الدرداء مشهورًا بهذه العبادة العظيمة، وهي عبادة التفكُّر، ولعلَّ ما أثر عنه من حكمٍ كثيرةٍ من آثار هذا التفكُّر الطويل، الذي يقود - مع العلم - إلى بديع الحكمة، وجميل الموعظة.

وقد يقول قائلٌ: كيف فضَّل أبو الدرداء التفكُّرَ على قيام الليل؟

والجواب: أنَّ التفكُّرَ نفعه مُتعدِّ وأعمُّ، وأثره أكبر للأمة، فهو من جملة العلم الذي يتعلَّمه الإنسان؛ ولهذا أثنى الله تعالى على العُبَّاد الذين يجمعون بين العبادتين فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} الآيات [آل عمران: ١٩٠، ١٩١].

وقد سأل التابعيُّ الجليل عون بن عبد الله زوجة أبي الدرداء الصُّغرى: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكُّر والاعتبار.


(١) الزهد؛ لهناد بن السري (٢/ ٤٦٨).

<<  <   >  >>