للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آيةٌ واحدةٌ يمدح فيها أحدًا بنسبه، ولا يَذُمُّ أحدًا بنسبه، وإنَّما يمدح الإيمان والتقوى، ويَذُمُّ بالكفر والفسوق والعصيان» (١) انتهى كلامه رحمه الله.

وممَّا يشهد لما قاله شيخ الإسلام: أنَّ الله تعالى أنزل سورةً كاملةً في ذمِّ أبي لهبٍ؛ لكفره وعداوته للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ونهى الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يطرد المؤمنين من ضعفة أصحابه، وإن كان القصد من ذلك الرغبة في كسب قلوب أكابر قريشٍ، فقال سبحانه: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٥٢]، وقال له في الآية الأخرى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨].

وكلام سلمان الفارسيِّ - رضي الله عنه - أراد به أن يبيِّن لهم هذا المعنى الذي تضافرت عليه النصوص، وأراد به أن ينقلهم إلى هناك ... حيث لا أنساب ولا قراباتٍ تُغني العبد إذا قدم على ربِّه مفلسًا، فقال هذه الكلمة المؤثِّرة: ثم آتِي الميزان، فإن ثَقُلَ فأنا كريم، وإن خفَّ فأنا لئيم!

إي والله! إن ثقلت موازيننا غدًا إذا لقينا ربَّنا، فمن أكرم منَّا؟ وإن خفَّت فلا ألأم منَّا.

اللَّهمَّ إنَّا نسألك أن تستر عيوبنا، وتثقِّل موازيننا، وتُيمِّن كتبنا، وتدخلنا الجنة برحمتك.

* * *


(١) الفتاوى الكبرى (١/ ١٦٤).

<<  <   >  >>