للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية رحمه الله: «فإنَّ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين، وشرِّ الشرَّين؛ حتى يُقدَّم عند التزاحم خير الخيرين، ويدفع شرُّ الشرَّين» (١).

وفي الجملة الأخيرة من كلام ابن تيمية رحمه الله بيان فائدة هذه المعرفة، وهي: الترجيح عند التعارض بين المصالح والمفاسد، فمن لم يعرف خير الخير فكيف يختار أعلاهما؟ ومن لم يميِّز شرَّ الشرَّين فكيف يرتكب أدناهما؟

ومن تأمَّل في واقع الناس، وجد أنَّ أحد أهمِّ أسباب الخلل الذي يطرق حياتهم الخاصَّة والعامَّة، هو من عدم تطبيق هذه القاعدة التي تضمَّنتها كلمة عمرٍو - رضي الله عنه -، فربَّما قُدِّم شرُّ الشرَّين، وتُرِك خير الخيرين؛ فيحصل من الفساد والخلل ما لا يعلمه إلا الله تعالى!

ثم قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: «وليس الواصل الذي يصل من وصله، ولكنَّه الذي يصل من قطعه!»، وهي قاعدةٌ مقتبسةٌ من مشكاة النبوَّة، ففي صحيح البخاريِّ من حديث ابنه عبد الله بن عمرو بن رحمه وصلها» (٢)، فإنَّ الذي يصل على شرط الوصل، فهو يشبه التقاضي، وما أقربه من حظِّ النفس! لكنَّ الواصل حقًّا هو الذي يعيش العبودية لله تعالى بالقيام بهذه الشعيرة العظيمة: صلة الرحم.

ومن تأمَّل في سبب انقطاع الصلة بين بعض الأرحام، وجد أنَّه مشارطتهم بلسان الحال أو بلسان المقال، والمؤمن الموفَّق هو من لم


(١) منهاج السُّنَّة النبوية (٦/ ١١٨).
(٢) البخاري ح (٥٩٩١).

<<  <   >  >>