للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• لقد رويت عن ابن عباسٍ - رضي الله عنه - جملةٌ كبيرةٌ من المواعظ، نعرض بعضها؛ فمنها هذه الموعظة العمليَّة التي يترجمها هذا الموقف الذي رواه عبد الله بن بريدة الأسلميُّ رحمه الله إذ يقول (١): شتم رجلٌ ابن عبَّاسٍ، فقال ابن عباسٍ: «إنَّك لتشتُمُني وفيَّ ثلاث خصالٍ:

إنِّي لأتي على الآية من كتاب الله - عز وجل -، فلوددتُّ أنَّ جميع النَّاس يعلمون منها ما أعلم منها. وإنِّي لأسمع بالحاكم من حُكَّام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به، ولعلِّي لا أقاضي إليه أبدًا. وإنِّي لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح، وما لي به من سائمةٍ».

العلماء الربَّانيُّون يُربُّون الناس بمواقفهم قبل كلامهم، وبسمتهم وهديهم قبل حديثهم.

هذا ابن عباسٍ، وهو في المقام المعلوم من الدِّين، والعلم، وقرابة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يسمع شتمًا!

وقد سمعه من هو خيرٌ منه، إنَّه إمامه ونبيُّه - صلى الله عليه وسلم -! لكنَّ الفرق هو في طريقة التعامل مع هذا النوع من الناس!

إنَّ ردَّ الشتيمة سهلٌ، ومقابلة السفهِ بسفهٍ مثله لا يعجز عنه أحدٌ، وإنَّما الذي لا يطيقه إلا كِرامُ الناس هو: التحقُّقُ بقوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: ٥٥]، وقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣].


(١) المعجم الكبير؛ للطبراني (١٠/ ٢٦٦).

<<  <   >  >>