للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول محمد بن عبادة المعافريُّ؛ كنَّا عند أبي شريحٍ المعافريِّ رحمه الله فكثرت المسائل، فقال: قد درنت قلوبكم، فقوموا إلى خالد بن حميدٍ المهريِّ، استقلُّوا قلوبكم، وتعلَّموا هذه الرغائب والرقائق؛ فإنَّها تجدِّد العبادة، وتورث الزَّهادة، وتجرُّ الصَّداقة، وأقلُّوا المسائل؛ فإنَّها في غير ما نزل تقسِّي القلب، وتورث العداوة (١).

والمتأمِّل في الهدي النبويِّ في الوعظ، يمكنه تلخيص منهجه - صلى الله عليه وسلم - فيما يلي:

(١) - ممارسة الوعظ بأنواعه؛ القوليِّ والفعليِّ.

(٢) - عدم الإملال بالوعظ، كما في الصحيحين من حديث أبي وائلٍ شقيق بن سلمة، قال: كان عبد الله بن مسعودٍ يذكِّرنا كلَّ يوم خميسٍ، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن، إنَّا نحبُّ حديثك ونشتهيه، ولوددنا أنَّك حدَّثتنا كلَّ يومٍ، فقال: ما يمنعني أن أحدِّثكم إلا كراهية أن أملَّكم؛ «إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام؛ كراهية السآمة علينا» (٢).

(٣) - اغتنام المناسبات، واهتبال الفرص، فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يجعل للوعظ هيئةً معيَّنةً لا يخرج عنها، بل كانت حياته دعوةً، ودعوته حياةً، فهو يرى مشهدًا من المشاهد، فيغتنمه ليربط الصحابة بمعنى من المعاني الشريفة، فمثلًا: يقول جابر - رضي الله عنه - مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسوق، داخلًا من بعض العالية، والناس كَنَفَتَهُ، فمرَّ بجدي أسكَّ - يعني: صغير الأذنين - ميِّتٍ، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: (أيُّكم يحبُّ أنَّ هذا له بدرهم؟)، فقالوا: ما نحبُّ أنَّه لنا بشيءٍ، وما نصنع به؟ قال: (أتحبُّون أنَّه لكم؟)،


(١) سير أعلام النبلاء (٧/ (١٨٢)).
(٢) البخاري ((٧٠))، مسلم ((٢٨٢١)).

<<  <   >  >>