للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الله تعالى؛ ذلك أنَّ الرفق في الخطاب، واجتناب الكلمات الجافية، له أثره القويُّ في تأليف القلوب، وإصغاء الأسماع لما يريد المتكلِّم قوله؛ ولهذا أمر الله تعالى موسى وأخاه هارون -حين بعثهما إلى أشدِّ طغاة الأرض- بلين الكلام؛ وعلَّل ذلك لهما فقال سبحانه: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤].

وإذا كان الله تعالى يقول لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩]، فمن الواعظون بعده؟ ومن بعد الصحابة موعوظون؟!

نعم، قد يحتاج إلى الشِّدِّة في بعض المواضع، لكن المؤكَّد أنَّها استثناء، وليست أصلًا.

وفيما يخصُّ لين الكلام، وأثره على محبة الناس، فإنَّ أولى الناس بلين الكلام هم: الوالدان، والزوجة والأولاد، ومن لهم حقٌّ على الإنسان -كمشايخه ومعلِّميه -ثم كبار السنِّ وعموم الناس، كما قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]، وفي قراءةٍ سبعيَّةٍ: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، فشمل ذلك: حسن اللفظ، وحسن الأداء.

• ومن مواعظه - رضي الله عنه - قوله (١):

«حِلمُك على السَّفيه يكثِّر أنصارك عليه»

والمعنى: أنَّ الإنسان قد يبتلى بسفيهٍ يرمي كلامًا يجرح، أو يتصرَّف تصرُّفًا يؤذي، فإن قابله الإنسان بسفهٍ، فقد نزل إلى مستواه، وإن


(١) العقد الفريد (٢/ ١٣٨).

<<  <   >  >>