للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مهديِّ، يقول: كنَّا عند مالك بن أنسٍ، فجاءه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الله، جئتك من مسيرة ستة أشهرٍ؛ حمَّلني أهل بلدي مسألةً أسألك عنها، قال: فسل، فسأله الرجل عن مسألةٍ، فقال: «لا أحسنها»، قال: فبهت الرجل كأنَّه قد جاء إلى من يعلم كلَّ شيءٍ! قال: فأيُّ شيءٍ أقول لأهل بلدتي إذا رجعت لهم؟! قال: «تقول لهم: قال مالكٌ: لا أحسن».

وقال ابن وهبٍ: سمعت مالكًا يقول: «ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: (لا أدري)؛ فإنَّه عسى أن يهيَّأ له خيرٌ»، قال ابن وهبٍ: وكنت أسمعه كثيرًا ما يقول: لا أدري.

وقال في موضعٍ آخر: لو كتبنا عن مالكٍ: (لا أدري)، لملأنا الألواح!

وقال أبو داود: «قول الرجل فيما لا يعلم: (لا أعلام) نصف العلم» (١)!

فليعتبر طلبه العلم بهذا، وأين منهم من هو في درجة مالكٍ رحمه الله؟ والذي ما زاده هذا المسلك في قول: (لا أدري) إلا رفعةً ومكانةً في الأمَّة.

وأمَّا الجملة الرابعة من موعظة عليٍّ - رضي الله عنه -، فهي قوله: «ولا يستحي أن يتعلَّم إذا لم يعلم».

وصدق - رضي الله عنه -، وكم منع الحياء من أناسٍ أن يتعلَّموا؛ إمَّا خوفًا من الغلط، أو حذار أن يجلسوا عند من هو أصغر منهم سنًا، أو أقلُّ وجاهةً اجتماعيَّةً!


(١) ينظر - فيما سبق من آثارٍ عن مالكٍ وأبي داود -: جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٨٣٨).

<<  <   >  >>