للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• ومن مواعظه - رضي الله عنه - قوله (١):

«التَّهلكة هي: أن يذنب العبد ذنبًا ثم لا يعمل بعده خيرًا حتى يهلك».

ويوضِّح هذه الموعظة قوله في موضعٍ آخر: (ألا رُبَّ مبيِّضٍ لثيابه مدنِّسٌ لدينه، ألا رُبَّ مُكرمٍ لنفسه وهو لها مُهينٌ، ألا بادروا السيِّئات القديمات، بالحسنات الحديثات؛ فلو أنَّ أحدكم أخطأ ما بينه وبين السماء والأرض ثم عمل حسنةً، لعلت فوق سيِّئاته حتى تقهرهنَّ» (٢).

وهذا من فقه أبي عبيدة - رضي الله عنه -؛ فإنَّ الله تعالى لمَّا تكرَّم على عباده بمضاعفة الحسنات، وأنَّ السيئة لا تكون إلا واحدةً فقط، صار الهالك حقًا هو من غلبت سيِّئاته حسناته، كما روى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الله - تبارك وتعالى - في حديث مضاعفة الحسنات والجزاء بالسيئات واحدةً، قال: (ولا يهلك على الله إلَّا هالكٌ) (٣).

إنَّه ليس منَّا أحدٌ إلا، وهو عرضةٌ للخطأ والذَّنب، ولكنَّ الشأن في المبادرة إلى محو الذنب بالحسنة، كما في الحديث: (وأتبع السَّيِّئة الحسنة تمحُها) (٤)، وفي التنزيل العزيز: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: ١١٤]. إنَّ من توفيق الله تعالى لعبده أن يبادر بالصالحات عند الوقوع في السيئات.

وإنَّ من رحمة الله تعالى أن شرع لعباده جملةً من المكفِّرات، ففي


(١) إحياء علوم الدين (٢/ ٣١٩).
(٢) الزهد؛ لأحمد بن حنبل (ص١٥١).
(٣) مسلم ح (١٣١) عن ابن عباس، وأصل الحديث في الصحيحين.
(٤) الترمذي ح (١٩٨٧)، وقد رجَّح الدارقطنيُّ إرساله، وانظر تعليق ابن رجب عليه في: «الجامع» ح (١٨).

<<  <   >  >>