لا تصلِّي بعدها أبدًا، وإيَّاك والطمع؛ فإنَّه فقرٌ حاضرٌ، وعليك بالإياس؛ فإنَّه الغنى، وإيَّاك وما يعتذر منه من القول والعمل، وافعل ما بدا لك».
لقد جمع سعدٌ في وصيَّته هذه أصولًا في العبادة والخلق.
أمَّا العبادة، فبوصيَّته بإحسان الوضوء، وإحسان الصلاة، وقد اختصر عليه سؤالًا يمكن أن يطرحه ابنه: كيف أحسن صلاتي؟ فيأتي الجواب:«وصلِّ صلاة ترى أنَّك لا تصلِّي بعدها أبدًا»!
سبحان الله! ماذا لو دخلنا صلواتنا بهذا الشعور التوديعيِّ؟! إذًا لتغيرت أحوالنا، ولصلحت أمورنا.
أمَّا الخُلُقُ، فقد أوصاه بوصيةٍ تتعلَّق بالجانب الخُلقيِّ، وهي الحذر من الطمع، وعلَّل ذلك بقوله:«فإنَّه فقرٌ حاضرٌ»! ثمَّ أتبعها بما يوضِّح معناها فقال: «وعليك بالإياس؛ فإنَّه الغنى».
وصدق - رضي الله عنه -، ومن تأمَّل ما وصف الله به المنافقين في سورة التوبة، أدرك هذا المعنى جيدًا، قال تعالى عن أولئك المنافقين:{فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}[التوبة: ٥٨].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهكذا كان حال من كان متعلِّقًا برئاسةٍ أو ثروةٍ ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي، وإن لم يحصل سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيقٌ له إذا لم يحصل.
والعبوديَّة في الحقيقة هي رقُّ القلب وعبوديَّته، فما استرقَّ القلب واستعبده، فهو عبده؛ ولهذا يقال:(الطمع فقرٌ، واليأس غنًى، وإنَّ أحدكم إذا يئس من شيءٍ، استغنى عنه)، وهذا أمرٌ يجده الإنسان من نفسه؛ فإنَّ الأمر الذي ييئس منه، لا يطلبه ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه