للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظنُّك بربِّك إذا ذكرت أخاك بأمرٍ هو فيك؟ ولعلَّك تذكره بأمرٍ فيك أعظم منه، فذلك أشدُّ استحكامًا لمقته إيَّاك، ولعلَّك تذكره بأمر قد عافاك الله منه، فهذا جزاؤه إذ عافاك؟! أما سمعت: ارحم أخاك، وأحمد الذي عافاك؟! (١).

وبالجملة فشأن اللسان خطيرٌ، ومن أجل ذلك صنَّف العلماء كتبًا مستقلةً في الصمت وفي المنطق، وضمَّنوا كتبهم في الآداب الكلام الكثير عن هذا الموضوع، الذي يجب على كلِّ ناصحٍ لنفسه أن يراعيه ويرعاه.

* ومن مواعظه - رضي الله عنه - (٢):

«كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار جهلًا!».

وصدق - رضي الله عنه -، وهو بهذا ينطلق مباشرةً إلى ثمرة العلم، وهي الخشية، بدلًا من الدخول في تعريفها، وهكذا كان شأن السلف؛ قليلو التكلُّف، عميقو العبارات في إيصال المعاني.

ومصداق قوله - رضي الله عنه - قول الحقِّ تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: ٢٨]، فإذا وُجدت الخشية، فقد وُجدت ثمرة العلم، وإن لم يكن الإنسان عالمًا، وإذا ذهبت أو قلَّت الخشية، فقد ذهبت بركة العلم وثمرته الكبرى، وإلا فما فائدة العلم إذا لم يورث خشيةً تمنع من الوقوع في المحذور، وتدلُّ على فعل ما ينبغي؟ ولهذا قال ابن مسعودٍ: «وكفى بالاغترار جهلًا»؛ ذلك أنَّ بعض الناس -ممَّن أُوتي حظًا من العلم -قد يقع في أنواعٍ من التأويلات والتَّكلُّفات، فيتوسَّعون في بعض


(١) صفوة الصفوة (٢/ ١٠٢).
(٢) الزهد؛ لأحمد بن حنبل (ص١٥٨).

<<  <   >  >>