للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ إِلَّا أَنَّ غَيْرَ مَالِكٍ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَعْهُنَّ يَبْكِينَ مَا دَامَ عِنْدَهُنَّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَعَانٍ مِنْهَا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَعِيَادَةُ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ الْعَالِمِ الشَّرِيفِ لِمَنْ دُونَهُ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِهَا وَنَدَبَ إِلَيْهَا وَأَخْبَرَ عَنْ فَضْلِهَا بِضُرُوبٍ مِنَ الْقَوْلِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهَا فَثَبَتَتْ سُنَّةً مَاضِيَةً لَا خِلَافَ فِيهَا وَفِيهِ الصِّيَاحُ بِالْعَلِيلِ عَلَى وَجْهِ النِّدَاءِ لَهُ لِيَسْمَعَ فَيُجِيبَ عَنْ حَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحَ بِأَبِي الرَّبِيعِ فَلَمَّا لَمْ يجبه استرجع على ذلك لأنها مصيبة والاستراجاع قول إن الله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَهُوَ الْقَوْلُ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ وَفِيهِ تَكْنِيَةُ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ لِمَنْ دُونَهُ وَهَذَا يُبْطِلُ مَا يُحْكَى عَنِ الْخُلَفَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُكَنُّونَ أَحَدًا عَصَمَنَا اللَّهُ عَمَّا دَقَّ وَجَلَّ مِنَ التَّكَبُّرِ بِرَحْمَتِهِ وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ بِالصِّيَاحِ وَغَيْرِ الصِّيَاحِ عِنْدَ حُضُورِ وَفَاتِهِ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ إِذَا وَجَبَ مَوْتُهُ وَفِي نَهْيِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ لِلنِّسَاءِ عَنِ الْبُكَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ سَمِعَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ فَتَأَوَّلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُنَّ يَعْنِي يَبْكِينَ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ لَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا تَبْكِيَنَّ نِيَاحًا وَلَا صِيَاحًا بَعْدَ وُجُوبِ مَوْتِهِ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ مَا لَمْ يُخْلَطْ ذَلِكَ بِنَدْبِهِ وَبِنِيَاحَةٍ وَشَقِّ جَيْبٍ وَنَشْرِ شَعْرٍ وَخَمْشِ وَجْهٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ بُكَاءِ الْعَيْنِ دُونَ نِيَاحَةٍ اللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى وَاضِحًا فِي بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ والحمد الله

<<  <  ج: ص:  >  >>