فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ وَفِيهِ إِبَاحَةُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ جَالِسًا وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَبَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي النَّافِلَةَ بَعْضَهَا جَالِسًا وَبَعْضَهَا قَائِمًا وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِيمَنِ افْتَتَحَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ قَاعِدًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ فِيهَا وَيَقْرَأَ بِمَا أَحَبَّ عَلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنِ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَقْعُدَ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا قَاعِدًا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُصَلِّي قَائِمًا وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ افْتَتَحَهَا قَائِمًا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ اسْتَفْتَحْتُ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَرَكَعْتُ رَكْعَةً وَسَجَدْتُ ثُمَّ قُمْتُ أَفَأَجْلِسُ إِنْ شِئْتُ بِغَيْرِ رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ قَالَ لَا فَأَمَّا الْمَرِيضُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَرِيضِ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ يَخِفُّ عَنْهُ الْمَرَضُ فَيَجِدُ الْقُوَّةَ أَنَّهُ يَقُومُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ وَالطَّبَرِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِيمَنْ صَلَّى مُضْطَجِعًا رَكْعَةً ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَوْ كَانَ قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ثُمَّ صَحَّ بَنَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَبْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ صَارَ إِلَى حَالِ الْإِيمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَيُومِئُ إِلَى الرُّكُوعِ فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ جَلَسَ فَأَوْمَأَ إِلَى السُّجُودِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ يُصَلِّي قَاعِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute